للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما يفعل ذلك من يفعله من متكلمة الصفاتية- وهو الذي ينقلونه عن أبي الحسن وأتباعهـ لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذى بعث الله به رسوله، فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء، وكانوا مع هذا مشركين.

قال تعالى: " وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ " [يوسف: ١٠٦] .

قال طائفة من السلف: تسألهم من خلق السموات والأرض فيقولون: الله، وهم مع هذا يعبدون غيره (١) . وقال تعالى:" قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ " [المؤمنون: ٨٤-٨٩] ، وقال تعالى:" وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ " [العنكبوت: ٦١] . فليس كل من أقر أن الله رب كل شيء وخالقه يكون عابدا له دون ما سواه، داعيا له دون ما سواه، راجيا له خائفا منه دون ما سواه يوالي فيه، ويعادي فيه، ويطيع رسله، ويأمر بما أمر، وينهى عما نهى عنه ... " (٢) .

فتوحيد الربوبية كان المشركون مقرين به، وهو نهاية ما يثبته هؤلاء المتكلمون إذا سلموا من البدع فيهـ كما يقول شيخ الإسلام (٢) - أما التوحيد الذى جاءت به الرسل فلم يعرفوه ولم يبينوه. يقول شيخ الإسلام: (أما التوحيد الذى ذكره الله في كتابه، وأنزل به كتبه، وبعث به رسله، واتفق عليه المسلمون من كل ملة فهو كما قال الأئمة: شهادة أن لا اله الا الله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما بين ذلك بقوله:" وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ " [البقرة: ١٦٣] فأخبر أن الإله إله واحد، لا يجوز أن يتخذ إله غيره فلا يعبد الا إياه، كما قال في السورة الأخرى:"وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ


(١) انظر: عبارات السلف في تفسير الطبري- سورة يوسف-، آية: ١٠٦ (١٦/٢٨٦)
ت شاكر. وفي تفسير ابن كثير لهذه الآية.
(٢) درء التعارض (١/٢٢٦-٢٢٧) .
(٢) انظر: التسعينية (ص: ٢٠٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>