وفي عصرنا الحاضر تأثر بهذا المنهج من تربى على كتب الأشاعرة والماتريدية، وما شابهها من كتب أهل الكلام، فتجد هؤلاء يؤلفون كتبا كثيرة في العقيدة، ولكن جل اهتمامهم منصب على تقرير توحيد الربوبية، فإذا كتبوا عن الطب وأسرار الإنسان، أو عن الكون وآفاقه، أو عن الجبال أو البحار، أو النبات، أو الحيوانات، أو غيرها، وما في دقة صنعها من دلائل قدرة الله تعالى يبرزون هذه الجوانب ليصلوا في النهاية إلى دلالتها على وجود الله ووجوب الإيمان به، والرد على الملاحدة الذين ينكرون وجود الله أو يقولون بالدهر أو الطبع أو يؤلهون العلم، ولا شك أن هذه جهود طيبة، ومفيدة لفئات محيرة تأثرت بالحاد الغرب أو الشرق، ولكن الخطأ فيها يكمن في ناحيتين:
١- الغلو في إخضاع نصوص الوحي- من الكتاب والسنة- لتوافق النظريات العلمية الحديثة، وهذا الغلو فضلا عن أنه ينم- في الغالب- عن روح انهزامية، إلا أنه أيضا قد يجر إلى تحريف أو تأويل لبعض الآيات أو الأحاديث، وإغفال لما قاله الصحابة وجمهور السلف في تفسير هذه النصوص.
٢- اغفالها للجانب الأهم في التوحيد وهو توحيد الألوهية، لأنها تنتهي عند حد إثبات وجود الله وعلمه وقدرته فقط، ولا تشرح بشكل مفصل ومركز أن على العبد اذا أقر بربوبية الله ووحدانيته أن يفرده بالعبادة والطاعة، وأن يخلص في توحيده لله بأن يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن لا يصرف أي نوع من أنواع العبادة من الصلاة والدعاء والخوف والخشية، والرغبة والرهبة، والنذر والاستغاثة والاستعانة والرجاء والمحبة إلا لله تعالى، وأن يحذر من الوقوع في أي نوع من أنواع الشرك الذي ييطل عمل الإنسان وتوحيده ولو كان مقرا بأن الله هو الخالق الرازق.
والعجيب أن بعض هؤلاء الذين وقعوا في هذا الخطأ- خطأ التركيز على توحيد الربوبية وإغفال توحيد الألوهية- وصل بهم الأمر إلى اعتبار البحث في موضوع إخلاص العبادات لله، وشرح ما يضادها من أنواع الشرك من الأمور المستنكرة لأنها تؤدي الى التفرقة بين المسلمين، وتكفير بعضهم، والغلو في جزئيات لا ينبغي الوقوف عندها، وهكذا أصبح البحث والدعوة إلى تحقيق