للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التوحيد، وسد طرق الشرك والتحذير من وسائله حماية لجانب التوحيد الذي دعا اليه رسول اللهصلى الله عليه وسلم- من الأمور التي لا تعجب كثيرا من هؤلاء إن لم تثر سخطهم. والله المستعان.

الثاني: الغلو في توحيد الربوبية الى حد ما يسميه الصوفية بالفناء (١) ، يقول شيخ الإسلام: "واذا تبين أن غاية ما يقرره هؤلاء النظار، أهل الإثبات للقدر، المنتسبون إلى السنة إنما هو توحيد الربوبية، وأن الله رب كل شيء، ومع هذا فالمشركون كانوا مقرين بذلك مع أنهم مشركون، فكذلك طوائف من أهل التصوف المنتسبين الى المعرفة والتحقيق والتوحيد، غاية ما عندهم من التوحيد هو شهود هذا التوحيد، وهو أن يشهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه، لا سيما اذا غاب العارف بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده، وبمعروفه عن معرفته، ودخل في فناء توحيد الربوبية، بحيث يفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل، فهذا عندهم هو الغاية التي لا غاية وراءها، ومعلوم أن هذا هو تحقيق ما أقر به المشركون من التوحيد. ولا يصير الرجل بمجرد هذا التوحيد مسلما، فضلا عن أن يكون وليا لله أو من سادات الأولياء، (٢) .

فالفناء في توحيد الربوبية عنذ هؤلاء الصوفية هو غاية ما يصبو اليه سالكو طرقهم الضالة، وقد يصل الأمر عند من شهد هذا التوحيد، وشهد القدر، أن يسير مع القدر حيث سار محبة ورضا، فهو مع المشركين إن انتصروا على المسلمين وهو أيضا مع من يفعل الفواحش ويسفك الدماء، بل مع عباد الأصنام


(١) الفناء عند الصوفية له عدة معان، منها أنه سقوط الأوصاف المذمومة، كما أن البقاء وجود الأوصاف الحمودة، ومنها أنه: تبديل الصفات البشرية كالصفات الالهية، أو هو عدم شعور الشخص بنفسه أو بلوازم نفسه، وهو درجتان: فناء عن شهود ما سوى الله فيفنى بمعبوده عن عبادته وبمعروفه عن معرفته بحيث يغيب عن شعوره بنفسه وبما سوى الله. والدرجة الثانية: فناء عن وجود السوى، بحيث يرى أن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق، بحيث يرى أن ليس في الوجود إلا الله، وهناك فناء شرعي وهو الفناء عن عادة غير الله بعبادته وحده.
انظر: التعريفات (ص: ٩٠) ، ورسالة في اصطلاحات الصوفية، لابن عربي (ص: ١٣٩) ط ملحقة بآخر التعريفات، ومعجم مصطلحات الصوفية (ص: ٢٠٧-٢٠٨) ، والمعجم الفلسفي (٢/١٦٧) - صليبا، والتدمرية (ص: ١٨٧، ٢٢١-٢٢٢) - ت السعوي.
(٢) التدمرية (ص: ١٨٦-١٨٧) - ت السعوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>