للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرازي والآمدي من المتأخرين الذين خبروا المذهب وعرفوه، ولذلك جمعوا في كتبهم أقوال سابقيهم في هذه المسألة (١) وفحصوها، وعرفوا ما فيها من فجوات، وإن كان هذا لم يؤد بهم إلى الرجوع إلى الحق في المسائل التفصيلية، وإنما زادوا المذهب غلوا وتطرفا حين أدخلوا فيه أدلة ومذاهب الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم.

٣- كما أن أئمة الأشعرية- غير الرازي والآمدي- قد ذموا هذه الطريقة لطولها وغموضها وكثرة مقدماتها، ولأن الأنبياء لم يدعوا اليها، ومن هؤلاء أبو الحسن الأشعري، والغزالي، والخطابي، والبيهقي، والحليمي، والقاضي أبو يعلى، وابن عقيل، وغيرهم.

ومما ينبغي ملاحظته أن الذين ذموا دليل الأعراض وحدوث الأجسام نوعان:

"منهم من يذمها لأنها بدعة في الإسلام، فإنا نعلم أن النبي-صلى الله عليه وسلم- لم يدع الناس اليها، ولا الصحابة؛ لأنها طويلة، مخطرة، كثيرة الممانعات والمعارضات. فصار السالك فيها كراكب البحر عند هيجانه، وهذه طريقة الأشعري في ذمه لها، والخطالى، والغزالي، وغيرهم ممن لا يصرح ببطلانها.

ومنهم: من ذمها لأنها مشتملة على مقدمات باطلة، لا تحصل المقصود بل تناقضه، وهذا قول أئمة الحديث وجهور السلف" (٢) .


(١) ذكر الرازي خمسة يراهين عل حدوث العالم، قدح الأرموي في كل واحد منها، انظرها مع قدح الأرموي فها في درء التعارض، البرهان الأول (٢/٣٤٤) وما بعدها، والثاني (٣/٣-٤) ، والثالث (٣/٤-٨) ، والرابع (٨/٣-١٨) ، والخامس (٣/١٨/٢٣) ، وقال شيخ الإسلام معقبا (٣/٢٣) : "والمقصود هنا أن هذه البراهين الخمسة التي احتج بها على حدوث الأجسام قد بين أصحابه المعظمون له ضعفها، بل هو نفسه أيضا بين ضعفها في كتب أخرى مثل: المطالب العالية، وهي آخر ما صنفه، وجمع فها غاية علومه، والمباحث الشرقية، وجعل منتهى نظره وبحثه تضعيفها".
أما الآمدي فقد ذكر سبعة مسالك، زيف ستة منها، واختار المسلك السابع الذي هو المسلك المشهور للأشاعرة، وهو دليل الأعراض وحدوث الأجسام. انظر: درء التعارض (١/٣٠٢، ٣/٤٤٨-٤٤٩، ٤/٢٦٧) .
(٢) الصفدية (١/٢٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>