للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعقول-كما يقوله بعضهم- وشيخ الإسلام لما بين ضعف ردود المتكلمين على الفلاسفة، بين أيضا أن الفلاسفة أنفسهم ليس معهم أى دليل يدل على قولهم، بل أقوالهم ظاهرة البطلان من وجوه عديدة (١) .

وشيخ الإسلام لما يقرر في مناسبات عديدة أن ما سوى الله محدث مخلوق كائن بعد أن لم يكن، وأن كل قول يخالف ذلك فهو قول باطل إنما يقرر ذلك ليبين أن مذهب السلف في ذلك مخالف لما قد يتوهمه بعض المتكلمين من أن القول بحدوث العالم لا يتم ولا يصح إلا بأن يقال: إن الله كان معطلا عن الفعل ثم فعل وإلا لزم القول بقدم العالم، يقول شيخ الإسلام "والمقصود هنا أن هؤلاء المتكلمين الذين جمعوا في كلامهم بين حق وباطل، وقابلوا الباطل بباطل، وردوا البدعة ببدعة، لما ناظروا الفلاسفة وناظروهم في مسألة حدوث العالم ونحوها استطال عليهم الفلاسفة لما رأوهم قد سلكوا تلك الطريق التي هي فاسدة عند أئمة الشرع والعقل، وقد اعترف حذاق النظار بفسادها، فظن هؤلاء الفلاسفة الملاحدة أنهم إذا أبطلوا قول هؤلاء بامتناع حوادث لا أول لها، وأقاموا الدليل على دوام الفعل، لزم من ذلك قدم هذا العالم ومخالفة نصوص الأنبياء وهذا جهل عظيم، فإنه ليس للفلاسفة ولا لغيرهم دليل واحد عقلي صحيح يخالف شيئا من نصوص الأنبياء، وهذه مسألة حدوث العالم وقدمه، لا يقدر أحد من بني آدم أن يقيم دليلا على قدم الأفلاك أصلا، وجميع ما ذكروه ليس فيه ما يدل على قدم شيء بعينه من العالم أصلا، وإنما غايتهم أن يدلوا على قدم نوع الفعل، وأن الفاعل لم يزل فاعلا، وأن الحوادث لا أول لها، ونحو ذلك مما لا يدل على قدم شيء بعينه من العالم، وهذا لا يخالف شيئا من نصوص الأنبياء، بل يوافقها، وأما النصوص المتواترة عن الأنبياء بأن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وأن الله خالق كل شيء، فكل ما سواه مخلوق كائن بعد أن لم يكن، فلا يمكن أحدا أن يذكر دليلا عقليا يناقض هذا ... " (٢) .


(١) انظر: على سبيل المثال درء التعارض (١/٣٥١، ٣٥٨، ٣٩٨) وما بعدها (٣/٢٩٩، ٨/١٣٩، ٩/٢١١- ٢٢١) ، ومنهاج السنة (١/١٧٦-١٧٧، ١٨٠- ١٨١، ١٨٧-٢٩٨) - ط جامعة الإمام-.
(٢) درء التعارض (٨/٢٧٩-٢٨٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>