للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستلزمة الفعل والحركة- كما قال ذلك أئمة أهل الحديث كالبخاري والدارمي وغيرهما- وأنه لم يزل متكلما إذا شاء وبما شاء ونحو ذلك- كما قاله ابن المبارك وأحمد وغيرهما من أئمة أهل الحديث والسنة- كان كونه متكلما أو فاعلا من لوازم حياته، وحياته لازمة له، فلم يزل متكلما فعالا مع العلم بأن الحي يتكلم

ويفعل بمشيئته وقدرته، وأن ذلك يوجب وجود كلام بعد كلام وفعل بعد فعل.

فالفاعل يتقدم على كل فعل من أفعاله، وذلك يوجب أن كل ما سواه محدث مخلوق. ولا نقول: إنه كان في وقت من الأوقات ولا قدرة حتى خلق له قدرة،

والذى ليس له قدرة هو عاجز، ولكن نقول: لم يزل الله عالما قادرا مالكا، لا شبه له ولا كيف. فليس مع الله شيء من فعولاته قديم معه، لا، بل هو

خالق كل شيء، وكل ما سواه مخلوق له، وكل مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن، وإن قدر أنه لم يزل خالقا فعالا" (١) ، ثم يقول شيخ الإسلام رادا على المتكلمين والفلاسفة: "وإذا قيل: إن الخلق صفة كمال لقوله تعالى:"أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ" [النحل: ١٧] أمكن أن تكون خالقيته دائمة، وكل مخلوق له محدث مسبوق بالعدم، وليس مع الله شيء قديم. وهذا أبلغ في الكمال من أن يكون معطلا غير قادر على الفعل ثم يصير قادرا، والفعل ممكنا له بلا سبب، وأما جعل المفعول المعين مقارنا له أزلا وأبدا فهذا في الحقيقة تعطيل لخلقه وفعله، فإن كون الفاعل مقارنا لمفعوله أزلا وأبدا مخالف لصريح المعقول" (٢) .

ومنها: أنه يلزم على قول الفلاسفة أن لا يحدث في العالم شيء، وهذا باطل مخالف للمحسوس، لأن العالم حادث مخلوق مشاهد، وقولهم: إنه أزلي مقارن لفاعله بالزمان يستلزم عدم وجوده وهذا باطل، فقول الفلاسفة لم يزل الفلك مقارنا لله أزلا وأبدا يمنع أن يكون مفعولا له لأن الفاعل لابد أن يتقدم على فعله (٣) .

د- الرد على الفلاسفة في قولهم بقدم العالم أو بعضه كالأفلاك، أو النفوس


(١) شرح حديث عمران بن حصين- مجموع الفتاوى (١٨/٢٢٧-٢٢٨) ، ودرء التعارض (٨/٣٣٧- ٣٤٦، ٩/١٤٧-١٥٨، ١٧٨-١٩٠) .
(٢) شرح حديث عمران بن حصين- مجموع الفتاوى (١٨/٢٢٨) .
(٣) شرح حديث عمران بن حصين- مجموع الفتاوى (١٨/٢٢٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>