للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشيخ الإسلام يقرر أن دليل التمانع دليل صحيح، موصل إلى المطلوب في إثبات وحدانية الله تعالى في ربوبيته (١) ، ولكنه يرد على، الأشاعرة لوقوعهم في خطأين، أحدهما وقع فيه متقدموهم- ومن جاء بعدهم ممن وافقهم عليهـ والثاني وقع فيه المتأخرون دون المتقدمين، ثم إن شيخ الإسلام يذكر لهذا الدليل برهانين ورد بهما القرآن للدلالة على أن الله واحد.

١- أما الخطأ الذي وقع فيه المتقدمون من الأشاعرة ووافقهم عليه المتأخرون فهو ما أورده الأشعري مما سبق نقله من كلامه حين احتج على دليل التمانع بقوله تعالى: "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا" [الأنبياء: ٢٢] ، وقد أوضح شيخ الإسلام أن هذا الاحتجاج خاطىء، لأن هذه الآية جاءت لتقرير توحيد الألوهية والعبادة، لا توحيد الربوبية، ويربط شيخ الإسلام خطأ هؤلاء بخطئهم في فهم المقصود بالتوحيد الذي دعت إليه، حيث ظنوا أن توحيد الربوبية الذي قرروه هو توحيد الألوهية الذي دعت إليه الرسل (٢) ، وقد سبق شرح ذلك-، ويبين شيخ الإسلام الفرق بين دليل التمانع وبين هذه الآية بقوله:

" هذه الآية ليس المقصود بها ما يقوله من يقوله من أهل الكلام، من ذكر دليل التمانع الدال على وحدانية الرب تعالى؛ فإن التمانع يمنع وجود المفعول، لا يوجب

فساده بعد وجوده. وذلك يذكر في الأسباب والبدايات التى تجري (٣) مجرى العلل الفاعلات. والثاني يذكر في الحكم والنهايات التى تذكر في العلل التي هي

الغايات، كما في قوله تعالى: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" [الفاتحة: ٥] ، فقدم الغاية المقصودة على الوسيلة الموصلة" (٤) . وهذا واضح، لأن التمانع يدل على أنه لو فرض أكثر من صانع لما وجدت المخلوقات، فوجودها يدل على صانع واحد، أما الآية فهى دالة على أنه لو وجد أكثر من إله يعبد لحدث الفساد،


(١) انظر. درء التعارض (٩/٣٥٤) ، حيث رد عل ابن رشد الذي رد على الأشاعرة في ذلك.
(٢) انظر: شرح الأصفهانية (ص: ١٠٤-١٠٥) ت السعوي-.
(٣) في المطبوعة المحققة (تجر) ولعله خطأ مطبعي. وهو على الصواب في طبعة حامد الفقي (ص: ٤٦١) .
(٤) اقتضاء الصراط المستقيم (٢/٨٤٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>