للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففى الآية " بيان امتناع الألوهية من جهة الفساد الناشىء عن عبادة ما سوى الله تعالى، لأنه لا صلاح للخلق إلا بالمعبود المراد لذاته، من جهة غاية أفعالهم ونهاية

حركاتهم، وما سوى الله لا يصلح، فلو كان فيهما معبود غيره لفسدتا من هذه الجهة، فإنه سبحانه هو المعبود المحبوب لذاته، كما أنه هو الرب الخالق بمشيئته. وهذا معنى قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: أصدق كلمة قالها الشاعر، كلمة لبيد:

ألا كل شيء ماخلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل (١)

ولهذا قال الله في فاتحة الكتاب: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" [الفاتحة: ٥] وقدم اسم الله على اسم الرب في أولها حيث قال: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" [الفاتحة: ١] ، فالمعبود هو المقصود المطلوب المحبوب لذاته، وهو الغاية والمعين، وهو البارىء المبدع الخالق ... " (٢) .

والخلاصة أن الآية جاءت لتقرير توحيد الألوهية المتضمن لتوحيد الربوبية ومعنى الآية أنه لو كان فيهما- أي السموات والأرض- آلهة غير الله لفسدتا ولكن ما فسدتا تدل على أنه ليس فيهما آلهة إلا الله (٣) .

٢- والخطأ الذي وقع فيه المتأخرون من الأشاعرة هو ظنهم أن القسمة في تقرير دليل التمانع لم تنته، وأنه بقي قسم رابع وهو أن يقال: يجوز أن يتفقا

فلا يفضي ذلك إلى الاختلاف.

والأشاعرة حيال هذا الأمر ثلاثة أقسام:

أ- المتقدمون، كأبي الحسن الأشعري، والباقلاني، والقاضي أبي يعلى (٤) ،


(١) الحديث متفق عليه، بالشطر الأول فقط من بيت الشعر: البخاري باب مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية، ورقمه (٣٨٤١) (الفتح ٧/١٤٩) ، وكتاب الأدب، باب ما يجوز من الشعر، ورقمه (٦١٤٧) (الفتح ١٠/٥٣٧) ، ومسلم، كتاب الشعر، ورقمه (٢٢٥٥) - عدة روايات.
(٢) منهاج السنة (٣/٣٣٤-٣٣٥) - ط جامعة الإمام-.
(٣) انظر: منهاج السنة (٣/٣١٤) - ط الامام-، ودرء التعارض (٩/٣٦٩-٣٧٨) .
(٤) سبق قبل قليل ذكر كتبهم التي أوردوا فيها هذا الدليل، ويلاحظ أن الباقلاني ذكر في التمهيد (ص: ٢٥) دليل التمانع دون ذكر احتمال اتفاق الارادتين، ولكنه في رسالة الحرة- المطبوعة باسم الإنصاف- (ص: ٣٤) ، أورد الاحتمال على شكل اعتراض ورد عليه. أما الأشعري وصاحب المعتمد فلم يذكرا في كتابيهما- اللمع والمعتمد- إلا الاحتمالات الثلاثة فقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>