قالوا: ثانيًا: لا آكل وإن أكلت يدلان على أكل مطلق فلا يصح تفسيره بمخصص لتنافيهما إذ لا شئ من المطلق بمشخص وبالعكس، فإن الإطلاق عدم القيد والتشخيص وجود قَيد وبينهما من المنافاة ما لا يخفى.
الجواب: أنا لا نسلم أن لا آكل مطلق بل مقيد مطابق للمطلق لاستحالة وجود المطلق فى الخارج فإن كل ما فى الخارج مشخص ولا يوجد الكلى المبهم إلا فى الذهن ولو كان لا آكل للمطلق لا للمقيد المطابق لم يحنث بالمقيد وهو خلاف الإجماع وقد تنبهت لتحقيق مثله مرة فلا نعيده واعلم أن أبا حنيفة رحمه اللَّه يجعل "لا أكل" أكلًا مما يقبل تخصيصه واستبعده الأصحاب لاتحاد مفهومه ومفهوم لا أكلت لا يختلفان إلا بالتأكيد وعدمه والتأكيد تقوية مدلول الأول من غير زيادة وربما يفرق بأن أكلًا فيه تنكير صريح وقد يقصد به عدم التعيين لما هو معين مخصوص فى نفسه نحو رأيت رجلًا وهو معين عند المتكلم لكن لا يتعرض له فى تعبيره فإذا فسر بذلك وخص بأكل العنب كان تعيينًا لأحد محتمليه فقبل بخلاف لا أكل فإنه لنفى الحقيقة وتخصيصه تفسير له بما لا يحتمله واستدق الإمام فخر الدين هذا النظر.
قوله:(أو ما فى معناه) يعنى النكرة الواقعة فى الشرط المستعمل فى موضع التمنى التى للمنع مثل إن أكلت فأنت طالق فإنه للمنع من الأكل إذ انتفاء الطلاق مطلوب وذلك بانتنهاء الأكل فهو فى معنى لا آكل البتة وهذا معنى قوله ينتفى الطلاق بأن لا يأكل وقوله واقتصر عليه عطف على قوله وقع، وقوله فيقبل تخصيصه تنبيه على ثمرة الخارف ومرجع النزاع إذ لا نزاع فى أنه يحنث بكل مأكول على ما هو قضية العموم إلا أنه عندنا عام لفظى يقبل التخصيص كسائر العمومات وعند أبى حنيفة رحمه اللَّه عام عقلى لا دخل فيه للإرادة ولا يتجزأ بحسبها.
قوله:(أما أوّلًا فبالالتزام) أى منع انتفاء اللازم وكان الأنسب تأخير هذا عن منع الملازمة فإن قيل المصدر أيضًا جزء مفهوم الفعل فينبغى أن يكون كالمفعول به قلنا المراد بالفعل هو الحدث لا المصطلح فالمصدر نفسه لا جزؤه وبهذا يندفع ما يقال أن الزمان أيضًا جزء مفهوم الفعل على أن الكلام فى الزمان الذى هو فى موقع