فيمتنع الاستدلال عليه وهو باطل فالدليل عليه منقوض والجواب أن المطلوب فى التصديق هو إثبات النسجة أو نفيها لا تصورها أو تصور شئ من أطرافها والأول يتوقف على البرهان التوقف على الثانى فلا دور بخلاف الحد إذ المقصود منه تعقله لا ثبوته له فيتحد الموقوف والموقوف عليه كما فصلناه.
قوله:(ومن جهة أن الحد) إذا قيل فى مقام التحديد: الإنسان حيوان ناطق مثلًا لم يتوجه أن يقال لا نسلم أنه كذلك إذ مرجعه إلى طلب البرهان على ما منع وقد ثبت امتناعه ههنا والتحقيق أن التحديد تصوير ونقش لصورة المحدود فى الذهن ولا حكم فيه أصلًا فالحاد إنما يذكر المحدود بالحد ليتوجه الذهن إلى ما هو معلوم بوجه ما ثم يرتسم فيه صورة أخرى أتم من الأول لا للحكم بالحد عليه إذ ليس هو بصدد التصديق بثبوته له فما مثله إلا كمثل النقاش إلا أن الحاد ينقش فى الذهن صورة معنوية معقولة وهذا ينقش فى اللوح صورة محسوسة فكما أنه إذا أخذ يرسم فيه نقشًا يتوجه عليه منع؛ بل لا يكون له معنى كذلك الحال فى صورة التحديد وأما الحكم بأن هذا حد وذاك محدود أو أن هذه الصورة لذلك المذكور فمن لوازمه ويتضح لك مما شرحناه أن احد مع المحدود ليس قضية فى الحقيقة وإن كان على صورتها فإن قلت قد اشتهر فى ألسنة العلماء أنا لا نسلم أنه حد لما حددتموه به فهذا منع عليه أجيب بأن الحد له مفهوم وما صدق عليه والمنع لا يتوجه على الثانى دون الأول ففى المثال المذكور لا يمنع كونه حيوانًا ناطقًا بل يمنع كونه حدًا له فإنه حكم لازم للتحديد يتوجه منعه.
قوله:(لكنه) اندفاع المنع على ما ذكر لا يستلزم انتفاء الاعتراض مطلقًا بل ربما يعارض بحد آخر يعترف به الحاد كما أشار إليه أولًا وصرح به ثانيًا، وفى قوله: العلم تمييز تنبيه على حد العلم المستفاد من التقسيم مع أدنى تغيير مفيد للتعميم، وفى قوله: فإن أحدهما لا بمنع الآخر بيان لانتفاء التناقض فى التصورات وإيماء إلى تعريف المتناقضات وما أوضحناه من أن الحد لا يمنع إنما هو فى الحد الحقيقى والرسمى أيضًا لانتفاء الحكم فيهما وأما التعريف اللفظى سواء كان بالمفردات أو ما فى حكيها فمآله التصديق بأن هذا مفهومه لغة أو شرعًا فيقبل المنع وطلب البرهان الذى هو النقل، وقوله: فقط متعلق بعامل الظرف أى أن هذا كله حاصل له فى زمان قصد الإفادة فقط، وفى قوله: صار حكمًا يمنع إشارة إلى أن المنع يتوجه على الحكم وأن لا حكم فى صورة التحديد.