[٢٠٧٣] مسألة: إذا قال ضع ثلثي حيث شئت، أو اجعله حيث أحببت، أو أعطه من أحببت، فذلك كلّه سواء لا يأخذ لنفسه شيئاً ولا لولده، إلا أن يكون لذلك وجه، وقال أبو حنيفة: إذا قال اجعله حيث شئت أو ضعه حيث أحببت فله أن يأخذه لنفسه أو بعض ولده، ولو قال أعطه من أحببت لم يكن له أن يأخذه لنفسه، فالكلام في موضعين: أحدهما: أنه ليس له أن يأخذ لنفسه شيئاً إلا أن يكون لذلك وجه، والآخر: أنه لا فرق بين اللّفظين.
فدليلنا على الأول مفهوم هذه الألفاظ في الشرع أنها عبارة عن الاجتهاد بقدر فعل الإمام فيه ما رأى، وقد وضعه حيث أراه الله، مفهومه أنه قد وكل ذلك إلى رأيه، وجعله إلى اجتهاده، وقد علم أن الموصي بالثلث غرضه وضعه في وجوه القرب، وأنه إنما وكله إلى الموصى لينظر أنفع الوجوه له فيجعله فيه، فلو أراد أن يأخذ هو منه لقال له: أو لك منه كذا، وما أشبه ذلك من ألفاظ التمليك، وقياساً على قوله: أعطه من شئت.
ودليلنا على الثاني قوله: ضعه بمنزلة قوله: أعطه من شئت، لأن مفهوم اللفظين واحد، ولأنه جعل صرفها موكولاً إلى مشيئته، كما لو قال: أعطه من شئت.
[٢٠٧٤] مسألة: إذا قال غلامي: يخدم فلاناً سنة ثم هو حر، فقال فلان: قد وهبت له خدمته، عتق العبد للوقت، ولو قال: لست أريد خدمته خدم ورثة السيد ثم عتق، وقال أبو حنيفة: العتق باطل والعبد رقيق للورثة كما لم يرض بخدمته؛ فدليلنا أن السيد علق العتق في وصيته بأجل لا بد أن يأتي فلم يبطل ذلك، أصله لو أطلق ولم يشترط خدمة فلان، بأن يقول: أنت حرٌّ بعد موتي بسنة، ولأن تعليق العتق بالأجل حاصل، وإنّما المنع من تنجيزه لحق الموصى له بالخدمة، وإذا وهبها له فقد زال المانع من العتق فوجب تنجيزه، كالاستيلاد أنه يوجب عتق أم الولد، وإنّما المانع من تنجيزه ثبوت حق السيد في الوطء، فإذا زال بموته تنجز عتقها، ولأن هبة الموصى له بالخدمة للعبد خدمته يجري مجرى استيفائه إياها، وقد ثبت أنه يعتق بعد الاستيفاء، كذلك بالهبة.