قوله: [من بعدها إجماع هذي الأمة]: هذا الدليل الثالث: من أدلة التشريع، وهو دليل الإجماع.
والإجماع في اللغة: يطلق على العزم والاتفاق، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ﴾.
أما في الاصطلاح: فهو اتفاق مجتهدي أمة محمد ﷺ في عصر من العصور بعد وفاته على أمر ديني.
قولنا: (اتفاق): يخرج وجود خلاف، ولو كان المخالف واحدًا فلا إجماع.
قولنا: (مجتهدي): أي من توفرت فيه شروط الاجتهاد، ويخرج المقلدين والعوام فلا عبرة وفاقًا وخلافًا.
قولنا: (أمة محمد ﷺ: يخرج الأمم السابقة فلا يعتد بإجماعهم.
قولنا: (في عصر من العصور): يخرج من مات، ومن لم يولد.
قولنا: (بعد وفاته): يخرج الاتفاق في حياته ﷺ.
قولنا: (أمر ديني): يخرج الأمور الدنيوية، والعقلية، واللغوية.
والإجماع حجة، وقد دل على حجيته القرآن، والسنة، أما القرآن: فقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩] مفهوم هذه الآية أننا إذا لم نتنازع في شيء فإنه حجة بذاته.
وأيضًا: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ١١٥].
فقال تعالى: ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فإذا أجمع المؤمنون على شيء فهذا سبيلهم، فإذا اتبع غير السبيل فهو ضال.
وأيضًا: قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ أي عدولًا خيارًا ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] ومقتضى الشهادة