مثال آخر: سفر الإنسان وحده هذا مكروه، لكن قد يحتاج إلى السفر وحده ولا يضطر فيباح، وكذلك الالتفات في الصلاة مكروه لكن الحاجة تبيحه، فإذا احتاج الإنسان أن يبصق فإنه يلتفت ويتفل عن يساره.
• • •
١٩ - لكنَّ ما حُرِّمَ للذَّرِيعَةِ … يَجُوزُ للحَاجَةِ كَالعَريَّةِ
قوله ﵀:[لكن ما حرم للذريعة يجوز للحاجة كالعرية] قلنا: إن المحرم لا يباح إلا عند الضرورة، ويُستثنى من ذلك ما كان تحريمه من باب تحريم الوسائل، وليس من باب تحريم المقاصد فإن الحاجة تبيحه.
ومعنى الحاجة: هي الحالة التي يصل فيها الإنسان حدًا إذا لم تراعَ لكان في ضيق وحرج، لكن لا تضيع مصالحه الضرورية، والحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة.
قولنا:(عامة): هي الحاجة الشاملة لجميع الأمة.
وقولنا:(خاصة): هي الحاجة الشاملة لطائفة معينة من الناس كأهل بلد، أو حرفة معينة كالتجار، أو الصنّاع، أو الزراع. أما الحاجة الخاصة بفرد، أو بأفراد محصورين فغير معتبرة أصلًا ولا تلحق بالضرورة؛ لأن لكل فرد حاجات متجددة ومختلفة عن غيره ولا يمكن أن يكون لكل فرد تشريع خاص به.
والفرق بين الضرورة والحاجة من وجهين:
الوجه الأول: أن الضرورة في الغالب تكون إباحة لمحظور ممنوع بنص شرعي، وتكون هذه الإباحة مؤقتة حيث تنتهي بزوال الاضطرار، وتتقيد بالشخص المضطر.
أما الإباحة الاستثنائية الثابتة بالحاجة فهي غالبًا لا تخالف نصًا صريحًا لكن تخالف القواعد العامة في الشرع، والحكم في الغالب يكون بصورة ثابتة.