للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في معناه أمر، لأنه أمر بالكف والترك، كما أن الأمر أمر بالإقدام والإيقاع، والآمر والناهي مقتضيان، ولكن هذا فعلا، وهذا تركا، وقد علم أن النهي يحمل على التكرار والدوام، فكذلك الأمر.

وأما الضمني فقد علم أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، ألا ترى أن السيد إذا قال لعبده تحرك فقد تضمن أمره هذا نهي العبد عن السكون، وإذا ثبت كون السكون منهيا عنه، ليس من جهة التصريح بالنهي عنه، لكن من جهة تضمن الأمر، وكان النهي عن الجملة يقتضي استيعاب الأزمان، تضمن ذلك لا محالة استيعاب الأزمان بمجانية السكون المنهي عنه ضمنا، لا بأن يستوعب الأزمنة بفعل (ص ٧٨) الحركة المأمور بها تصريحا.

وأما عادة التخاطب، فإنهم يقولون قد حسن الاستثناء في عادة التخاطب في مثل هذا الأمر الذي نتكلم عليه، فإذا قال السيد لعبده: كل، حسن أن يقول له إلا في رمضان، فلولا أن مطلق الأمر يقتضي الاستيعاب لما حسن الاستثناء، لأن الاستثناء إخراج بعض من كل، والواحد لا بعض له، وأجيب هؤلاء عن هذا بأن القياس على النهي لا يصح، لأنه قياس على اللغة، واللغة لا تثبت قياسا.

وأما النهي الضمني فإن أبا المعالي لم يسلم لهم اقتضاء الأمر نهيا عن الضد، ولو سلمه لم يسلم فيه الاستيعاب، بل يكون الاستيعاب فيه تابعا لمقتضى الأمر المتضمن للنهي، فإن كان بفعله واحدة، تضمن هذا الأمر تركا واحدا، وإن كان بفعل دائما تضمن النهي تركا دائما، وبهذا انفصل ابن المجاهد عن استدلالهم هذا.

ولهم مسلك في القياس، أشار أبو المعالي إلى الاستغناء عن النظر فيه، لوضوح فساده، وذلك أنهم قالوا اعتقاد الوجوب، والعزم على الفعل يجب استدامته فكذلك نفس الفعل يجب استدامته، لأن جميع ذلك من مقتضى الأمر، وهذا ليس بشيء، لأن اعتقاد الوجوب ينتجه التصديق بما قال الرسول، فلم سامحناه طرفة عين باعتقاد سقوط الوجوب مع علمه بأن الرسول يقول إنه واجب لكنا سامحناه بإكذاب الرسل، وأما العزم فلمعنى آخر سنتكلم عليه بعد هذا إن شاء الله.

وهكذا تمسكهم بعادة التخاطب هو عندي مما يتضح ضعفه، لأنا إنما نجيز الاستثناء إذا أراد المتكلم استيعابا مخصصا، وأورد ما يحتمل الاستيعاب، أو يجب فيه الاستيعاب، ثم تلافى تجويز الاستيعاب بالاستثناء حتى رفع به ما جوز أن يريده.

وأقرب ما في هذا أن يقال لهؤلاء قد علمتم مذهب الواقفية في هذا، فلهم أن يقولوا حسن الاستثناء لما فرضناه من الاحتمال الذي اقتضى وقوفنا إلى حمل الأمر المطلق على

<<  <   >  >>