للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مرة واحدة، فإنهم يعتمدون على القياس على الخبز، والقسم، فيقولون إذا قال القائل: أكل زيد، وتصدق عمرو، فإن مقتضى ذلك أكلة واحدة، وصدقة واحدة، فليكن الأمر كذلك.

ويستشهدون على هذا بأن من قال لوكيله اشتر لي ثوبا فإنه إنما يلزمه شراء ثوب واحد، وكذلك من حلف ليدخلن، فإنه يبرأ بدخلة واحدة، بخلاف الحنث فإنه متى قال لا دخلت الدار حنث متى ما دخل، لأن الحنث كالنهي، والنهي مستوعب والبر كالأمر، والأمر غير مستوعب، وهذا كله أجيبوا عنه بأنه قياس على شرع، أو على لغة، وكل ذلك لا تثبت به اللغات.

هذا ولا نسلم لهم أن الخبر يقتضي اتحادا واستيعابا، بل هو متردد بينهما على حسب ما قدمناه، لما ذكرنا أخذ هذه الأفعال من المصادر، واستدلوا أيضا بأن الموقع فعلة واحدة يسمى مطيعا، وممتثلا، فلولا أن ذلك مقتضى الأمر، لم يحسن وصفه بذلك، وأجيبوا عن هذا بأنه إنما يوصف بالطاعة والامتثال فيقرر ما فعل، ولو صرح الأمر بالتكرار، فأخذ المكلف في الفعل والإيقاع، لقيل هو مطيع ممتثل، والمراد وصفه بذلك بحسب مقتضى الإمكان، وقد انطوى في هذا الفصل ذكر النهي، وكونه مستوعبا للأزمان، فاقتضى الحال إفراده بالكلام عليه، حتى تتميز الأوامر من النواهي.

فاعلم أني رأيت في تصانيف من الأصول لا تحصى كثرة، حكاية الاتفاق على أن النهي المطلق يحمل على استيعاب للأزمنة بالاجتناب، فمن مصرح، يذكر الاتفاق على ذلك، ومن مشير إليه، لكن القاضي أبو محمد عبد الوهاب، ذكر أن من الناس من أجراه مجرى الأمر في اقتضائه الكف مرة واحدة، ولم يسم في بعض تصانيفه، من ذهب إلى ذلك، والقاضي، وغيره من أئمة المتكلمين أجروه مجرى الأمر، في أنه لا يقتضي الاستيعاب.

وأما الجمهور الصائرون إلى أن النهي يقتضي الاستيعاب بخلاف الأمر، فقد أكثروا من ذكر الفروق بينهما، فقيل إنما فرقنا بينهما لقوله عليه السلام: "إذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم فانتهوا" الحديث. فأنت تراه صلى الله عليه وسلم، كيف علق الأوامر بالاستطاعة وأطلق النواهي، وأشار بإطلاقه إلى حملها على الاستيعاب.

<<  <   >  >>