للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بينها وبين الحصاة في توليد النخلة منها، وما ذاك إلا لأن النواة فيها قوة تهيأت إلى أن تنتمي شيئا فشيئا حتى تصير نخلة مثمرة، وهذا التهيؤ لا يوجد في الحصاة فيسمون ما في النواة من هذا وجود نخلة بالقوة، حتى إذا كملت النخلة وأثمرت وتناهى نماؤها سموا ذلك وجودا بالفعل، بمعنى أن ما كان يتصور من النواة (ص ١٠٧) ويتخيل قد حصل محسوسا حصولا كاملا، وهو الوجود الكامل، فإذا لم تبلغ الإثمار وغاية النماء، فكأن هذا الوجود وجود ممكن من الإثمار.

فهكذا الحال في التعليمات أيضا فإن الإنسان إذا كان أميا، كان كاتبا بالقوة، بمعنى أن الكتابة يتصور وجودها منه، بخلاف الحمار، فإذا ابتدأ فتعلم مفردات الحروف، والخط بالقلم، وحضرت الآلات قيل: هذا متمكن من الكتابة، حتى إذا حصل على علم الخط وكتبه قيل: كاتب بالفعل، ومتى تعطل عن الكتابة كان هذا الوجود الكامل حاصلا له، لم يفقد بعطلته عن الكتابة.

فكذلك عندهم حال الإنسان، فإن الطفل أول ما يولد قد ركب دماغه وقلبه على شكل ومزاج قرب من الاعتدال قربا متهيئا بهذا إلى أن يقبل صور المعقولات ويطلع على المعلومات، بخلاف دماغ الحمار وقلبه، فيسمون هذا عقلا هيولانيا، بمعنى أن التهيؤ القابل للعقل حصل فصار كالهيولي والمادة [التي] لا صورة فيها، ثم بعد هذا تكتسي صورة ما، فإذا شب الطفل وصار في سن من يميز، ويعرف العلوم الضرورية التي تنطبع عندهم في هذه القوة من غير أن يحس الإنسان بانطباعها، ولا يسعى في تحصيلها كان هذا عقلا ممكنا، بمعنى أنه قد ارتفع عن طبقة العقل الهيولاني، وقد يسمى عقلا بالفعل، بمعنى أنه حصلت فيه معارف وعلوم ضرورية.

ثم بعد هذا الوجود الممكن، الوجود التام الكامل، وهو المسمى عندهم العقل المستفاد، ومعنى هذا أن هذا العقل الذي قد حصل فيه مع الهيولي، ومعنى التمكن من الاستفادة تنطبع فيه صور المعقولات الكلية، بل يحرك ويستخدم تلك القوة التي سميناها بالمتخيلة بالنسبة إلى الحيوان، وبالمفكرة بالنسبة إلى الإنسان، فإنما هي القوة وحركها، وهي أيضًا قد تستخدم ما قبلها و [إذا] التفت إلى العالم العقلي انفعل هذا العقل عن هذا، وانطبع فيه حقائق المعقولات، وليس انطباعها فيه من قبل نفسه، لكن من قبل غيره، إذ هذا العقل المستفاد، وهو المسمى عندهم الوجود بالفعل، وما تهيأ لقبول شيء لا يقبله من تلقاء نفسه، بل من تلقاء غيره، فكل وجود بالقوة لا يحصل وجودا بالفعل من تلقاء نفسه بل من تلقاء غيره.

<<  <   >  >>