نفس العلوم بهذه الكليات المتلقى من فيض العقل الفعال، وهذا عندهم عقل بالمعقولات، وعقل بنفسه، فهو قد عقل المعقولات وعقل نفسه.
ولا معنى عندهم للقول: عقل نفسه إلا ما صورناه من عود ذلك العقل الهيولاني علوما ومعارف بالكليات، ونفس هذا العود والخروج إلى الفعل لا ينطق ولا يفكر، والنطق والفكر، وإنما هو لتلك النفس التي ذكرنا أنها قوة متخيلة مفكرة، وهي بمنأى ومعزل عن هذا العقل المستفاد المشار إليه، وإنما هي كالخادم له، على ما صورناه، وإن فرض في النفس فكر بالعلم، أو نطق به فإنما معناه عندهم أن يقدر ذلك العلم كمعلوم يتطلب ويتلقى، وقد ذكرنا أن تطلب المعارف تتحرك معه القوة الفكرية، فالمحسوس إذا تحرك القوة الفكرية عند استفادة العقل الهيولاني المعارف، وكون القوة الفكرية ينطلق بهذا العلم الحاصل، بمعنى أنه صار كالمعلوم، وهي تتعلق بالمعلومات على صفة ماذكرناه، وهو المحسوس عندهم حتى يظن أن النفس الفكرية تعلقت بنفس هذا العلم، وأن نفس العلم الحق تعلقت به النفس.
وأضاف أبو المعالي إلى أيمتنا أن جهلهم بهذه الحقائق طيش أحلامهم، وأدى إلى اختباطهم. وعجبا من هذا الاعتقاد مع وقوفه على أعيان مصنفاتهم، ومذاكرته على ما يذكر لأعظم أيمتهم، ولم يقف على ما وقف عليه على برهان على هذا الذي رتبوه وزينوه، وقد أشبعنا نحن الرد عليهم بما يغنيك عن إعادته في هذا الفصل الثالث، ويقال لهم فيه هي القوة الهيولانية أعرض هي أم جوهر؟
فإن كانت جوهرا فالجواهر متماثلة، وإن كانت عرضا فالأعراض لا تقبل العلوم والصفات، وإن كانت غير ذلك فاذكروه، ولا سبيل إلى الإشارة إلى جنس من المحدثات، خارج عن كونه جوهرا أو عرضا، وهم يسلمون حدوث عقولنا، ويزعمون أن هذه القوة المشار إليها بالعقل الهيولاني، أو الكامل ليس بجزء من أجسامنا، ولا صفة حالة بأجسامنا، فليت (ص ١٠٩) شعري لم اختص زيد بعقله دون عمرو؟ ولم كان العاقل منا عاقلا؟ والمجنون مجنونا؟ والعاقل لم يجد به شيئا، ولا حلت فيه صفة.
وعذرهم عن هذا بأن بين عقل زيد ومزاجه مناسبة اقتضت علامة واختصاصا بينه وبين هتف لا يسمع، ودعوى لا تنفع. ويقال لهم: ما معنى هذه المناسبة؟ فلا يجدون لها