الاسم بالكلية، فاتضح كونه مجازا، كما اتضح كونه حقيقة في الحمار النهاق لإبقائه على أصل وضعه بالكلية.
فإذا قال تعالى:(فاقتلوا المشركين)، ثم قال صلى الله عليه وسلم بعد هذا بحين:"لا تقتلوا الرهبان"، فإن هذا كالإخبار منه على أن مراد الله سبحانه بهذا بعض المشركين لا كلهم، وقد علم أن قولنا "المشركين" موضوع في أصل اللغة للدلالة على استيعاب كل مشرك، فإذا علم ان المراد باللفظة بعضهم، فقد تكلم بها على غير ما وضعت له في الأصل في اللغة، فكانت مجازا على ما قررناه في حقيقة المجاز والحقيقة، بالالتفات إلى هذه الجهة والنظر إلى هذا الجانب، وهو جانب رفع الاسم عن بعض مسمياته. تصور هؤلاء أن الصيغة تبقى فيما تناولته على جهة المجاز.
ومن نظر إلى الجانب الآخر وهو إبقاؤها على بعض مسمياتها، وقد علم أن تناولها لهذه المسميات التي أبقيت عليها حقيقة لو لم يرد تخصيص أصلا، وكذلك إذا ورد، لأن تناول (ص ١٢٨) اللفظ إياها لم يتغير، وإنما وقع التغير في القدر الذي خصص.
وهذا عندي يقوي طريقة من يقول: إن العموم على الاستيعاب دلالة الظواهر، فكأنه موضوع للخصوص والعموم، ولكنه في العموم أظهر، فيتضح على المذهب طريقة هؤلاء، كما قد تتضح طريقة الأولين، على من قال: إنه يدل على الاستيعاب دلالة النصوص، لأن هؤلاء يرونه غير محتمل للخصوص بحكم صيغته.
ولأجل الالتفات لهذين الجانبين الذي ينشأ من النظر فيه اختلاف هذين المذهبين، صار أبو المعالي إلى دعوى الاشتراك وإثبات الحقيقة من جانب والمجاز من جانب، فرأى أن القدر المزال وقع به التجوز، والقدر المبقى لم يتغير عن حقيقته في نفسه.
وقد رد عليه ما ذهب إليه، فإن اللفظة واحدة [ليس] لها جهتان في الحقيقة والمجازية، لأنا قلنا: إن معنى الحقيقة استعمالها فيما وضعت في الأصل له، ومعنى المجازية استعمالها فيما لم توضع في الأصل له. فلابد أن يحكم لهذه اللفظة في استعمالها في بعض مسمياتها، فإنها مستعملة استعمالا على أصل الوضع، أو استعمالا على غير أصل الوضع، وليس بين هذا النفي والإثبات مرتبة أخرى يذهب إليه على الحقيقة، والمجاز إنما يتصور في الكلام والنطق، وأما العدم وما لم ينطق به فلا يتصور فيه حقيقة ولا مجاز، وما لم ير من المسميات فحكه حكم العدم، ومحصوله أنه لم ينطق به ولا أراده المتكلم، والنفي والعدم لا يوصف بأنه حقيقة ولا مجاز، وهذا واضح.