مجمل. واختلف القائلون في تعميه؛ هل هو عموم يحتج بإطلاقه على جوار كل بيع حتى يطالب من الفقهاء من خالف في بيع من البيوع فقال بفساده بأن يقيم الدليل على أنه فاسد غير حلال، أو يكون من العموم الذي لا يقبل التخصيص، لأجل أن كل بيع حرام فاسد لا ينطلق عليه تسمية البيع، لأجل أن البيع في اللغة: نقل الملك بعوض، فإذا قال صاحب الشرع: لا ينتقل الملك بهذا العقد، فإذن ارتفعت عنه التسمية، لأن الحكم مناط بالتسمية ومعلق بها، فإذا سلب الشرع الحكم وهو انتقال الملك، استلبت التسمية التي هي موضوعة لحقيقة هذا الحكم، فكل بيع حرام إذا لم يسم بيعا، لأجل ما قلناه، فإنه لا يدخل في عموم قوله:(وأحل الله البيع)، فإذا لم يدخل في هذا العموم بقي اللفظ على تعميمه لم يخص منه شيء.
ومن الناس من صار إلى أنه مجمل، واختلف هؤلاء في سبب إجماله، فمنهم من ذهب إلى أن سبب إجماله كون الشرع قد قرر شروطا اشترطها في جواز البياعات، مثل ألا تكون وقت الجمعة، وأن يكون لا غرر فيها، إلى غير ذلك من شرائطه المعلومة عند الفقهاء.
والتخصيص إذ آل إلى أن لا يتعلق بالاسم حتى تنضاف إليه شروط، فإن العموم لا ينتقل بذلك إلى الإجمال، لكون كل بيع قد علم أنه لا يجوز بمجرد تسميته بيعا، حتى ينضاف إلى التسمية شروط، وهكذا قوله تعالى:(والسارق والسارقة)، فإنه قرر الشرع في قطع كل سارق شروطا، منها الحرز، والنصاب، وغير ذلك مما يعرفه الفقهاء، فصار التعلق بمجرد تسمية السارق سارقا لا يغني حتى تعتبر شروط تنضاف إليه.
وقال قوم آخرون: بل سبب الإجمال ما ألحق بها [من] قوله تعالى: (وحرم الربا)، فصار هذا الإلحاق كالاستثناء اللاحق بالكلام، وهذا الإلحاق كسب الكلام الأول إجمالا، لأن لا بيع إلا وفيه زيادة، وقد قال: إن الربا حرام، والربا زيادة، وليست كل زيادة حراما، فصار اعتبار ما يحل من الزيادات وما يحرم يسري إلى اعتبار ما يجوز من البيع وما لا يجوز، لأجل كون كل بيع يقدر فيه زيادة.
ومن هؤلاء من أشار إلى الربا فيه إجمال من جهة أخرى، فعاد إجماله بإجمال ما قبله. ولعلنا أن نبسط هذه المعاني في كتاب التأويلات إن شاء الله.
وذكر أبو المعالي تردد الشافعي في هذه الآية، هل هي عموم أو مجمل، واختار من قولي الشافعي كونها غير مجملة في كل بيع لا زيادة فيه، بل هي عموم في هذا النوع من