تصريحا أو تلويحا، وما فيه احتمال مع الظهور فيعمل به إن كان لفظيا من غير خلاف، وإن كان مشعرا به ففيه الخلاف المذكور. وقد تقدم ذكر الأمثلة في النطقي، النص والظاهر.
وأما أمثال ما لا احتمال فيه من المفهوم، فكما قلناه في آية النهي عن التأفيف، وأما الظاهر من المفهوم فكقوله تعالى:(من قتل مؤمنًا فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ)، فإن هذا عند طائفة من العلماء يشعر بأن القاتل عمدا عليه تحرير رقبة، لأجل أن المخطئ إذا أمر بها كفارة، مع كون فعله لا إثم فيه، فالآثم الذي هو الغامد أولى بالتكفير، فهذا المفهوم الموافق من جهة التنبيه بالآدنى على الأعلى.
ولكن في هذه الآية احتمال، ويمكن أن يراد بها قصر الكفارة على المخطئ، لكون ذنب متعمد قتل النفس أعظم من أن يكفر، كما تأوله قوم من الأئمة في مواضع من الشريعة تشبه ما نحن فيه. وقد تكلم الناس على تجويز ضم نقيض هذا المفهوم إلى النطق من أن يقول: ولا تقل لهما أف، واقتلهما، ورأيت الأذري تردد فيه، فسلم أن قوله:(فمن يعمل مثقال ذرة) لا يصح أن يقال ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، وإن عمل قنطارا فلن يره، ورأى هذا من التناقض.
وقال في موضع من كتابه: إذا قال: ولا تقل لهما أف، واضربهما، فإن هذا خارج عن لسان العرب، وقد قال في موضع آخر من كتابه: إنما يستفاد المنع من قتلهما لأجل تجريد النهي عن التأفيف، وأشار إلى جواز مضامة هذين اللفظين بعضهما لبعض، وهذه إشارة إلى ما كنا قدمناه من كون النهي عن الضرب مستفادا من سياق الآية، لا من نفس اللفظ.
فإذا علمت أن الجمهور على القول بالمفهوم، وبعض أهل الظاهر ينكره على الإطلاق، فإن القائلين به مختلفون في وجه دلالته؛ هل هي من ناحية اللغة، أو من ناحية القياس الجلي؟ فجمهورهم على أنا من ناحية اللغة، وذهب الشافعي إلى أنه من ناحية القياس الجي. ورد عليه بأن سامع هذا الخطاب يفهم منه النهي عن الضرب، وإن لم ينظر في طرق القياس، ويؤمر بذلك، وإن [لم] يؤمر بالتعبد بالقياس، فهذا جميع (ص ١٤٥) ما يتعلق بالقول بالمفهوم، ولعلنا أن نرد على الظاهرية عند أخذنا في سبب اختلاف المذاهب.