وأما الوجه الثاني وهو نقل المذاهب في هذا الباب فقد قدمنا في مفهوم الموافقة جميع ما فيه من الخلاف، وذكرناه هناك لاتصاله بما كنا فيه من الكلام وتعلقه به، فذكرنا إنكار بعض أهل الظاهر، وعد الشافعي له قياسا جليا، واختلاف القوم في الاستفادة؛ هل هي من ناحية اللفظة المتضمنة للأدنى، أو من ناحية السياق، وذكرنا اختلافهم فيما كان منه ظاهرا يتطرق إليه الاحتمال، وهذا كله قد يحسن إيراده في هذا الوجه الذي نحن فيه، فلهذا أشرنا إليه.
وأما مفهوم المخالفة فالاختلاف فيه مشهور، وحكي عن جماعة من العلماء إثباته، وأضيف ذلك لبعض أصحاب مالك، وبه قال الشافعي.
وحكي عن قوم نفيه، وبه قال قوم من الشافعية والحنفية والقاضي ابن الطيب.
وقال ابن سريح بإثباته في الشرط.
وقال القاضي ابن الطيب في المذهب الذي رجع إليه واستقر أمره عليه بإثباته في حرف الغاية، وتردد قوله في حرف الحصر، ومال إلى أنه الأظهر إثباته.
وأنكره الأذري وغيره في حرف الغاية وما سواه.
وقال قوم بإثباته حتى في الاسم العلم، والجمهور من مثبتي دليل الخطاب على إنكاره في الاسم العلم، وابن خويز منداد من أصحابنا أثبته في الاسم العلم، وبه قال الدقاق.
وحكى ابن سريج عن الشافعي أنه ينكره في تعليق الحكم بالصفة.
وأشير إلى أن مالكا رضي الله عنه يثبته في الاسم العلم لأجل استدلاله في الدونة على أن الأضحية إذا ذبحت ليلا لا تجزئ بقوله:(ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام)، قال في المدونة: فذكر الأيام ولم يذكر الليالي، وكذلك أشير أيضا إلى أنه من القائلين بدليل الخطاب لأجل استدلاله على أن الخيل لا تؤكل بقوله تعالى:(والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة)، فذكر منافعها من ركوب وزينة، ولم يذكر الأكل.
وفي هذا الاستقراء عندي نظر، لاحتمال أن يكون تعلق بالآية لأجل أنها وردت مورد الامتنان، فلو كان الأكل مباحا لامتن به، لأنه من أعظم النعم التي يمتن بها، فلا يكون هذا الاستدلال منه اقتصارا على أن المسكوت عنه بخلاف المنطوق به، لكن لأجل هذه القرينة التي أشرنا إليها.