وأما أبو الحسن الأشعري، فإنه ذكر أبو المعالي أن النقلة نقلت عنه نفي القول بالمفهوم، كما نقلت عنه نفي صيغ العموم، وقد أضيف إليه أيضا خلاف ذلك، وأنه قائل بدليل الخطاب، لأجل أنه استدل على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بقوله تعالى:(إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)، وببقوله:(إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) دليل الخطاب، لأن العدل لا (ص ١٤٦) يثبت في خبره، وبقوله:(فيه هدى للمتقين)، دل هدى على أن ليس فيه هدى لغير المتقين.
وذكر أبو المعالي أنه رأس الواقفية، وإنكار القول بالعموم يضاف إليه، ولكن أبا المعالي أشار إلى ضعف إضافة هذا المذهب إليه، ورأى أنه إنما أنكر لما فاوض القائلين بتنفيذ الوعيد، وهناك قد يحسن إنكار التعلق به، لأن المسألة المراد بها القطع والمبتغى منها العلم لا العمل. وأما العمليات والمسائل الفقهيات فلا ينكر التعلق بالعموم فيها، كما لا ينكر التعلق بغير العموم وأنواع الظواهر، وإن كان القاضي ابن الطيب صرح بإنكار التعلق بالعموم حتى في العمليات.
وقد استرسل أبو المعالي في لفظة وقعت له في هذا الباب، وذلك أنه حكى عن أبي حنيفة وجماعة من الأصوليين إنكار القول بالمفهوم مطلقا، والذين أشار إليهم لم ينكروا مفهوم الموافقة، وإنما أنكروا مفهوم المخالفة المسمى بدليل الخطاب، وقد رجع أبو المعالي بعد كلام قليل إلى الإشارة إلى ما نقلناه، فذكر أن من أنكر المفهوم يسلم الفحوى، وإن اختلفوا في وجه الاستدلال بها على ما حكيناه نحن في جملة مذهبهم.
واختار أبو المعالي في تعليق الحكم بالصفة أنه يدل على أن المسكوت [عنه] مخالف المنطوق به، إذا كانت الصفة مخيلة بالحكم مناسبة له، حتى تصلح تعليلا له، بخلاف أن يكون لا مناسبة بينهما وبين الحكم، واختار في الاسم العلم أنه يتضمن أن للمتكلم غرضا في الاقتصار على المسمى، ولكن لا يتعين ذلك الغرض بنفي الحكم عن غير المسمى، على ما سنبسط طريقته، إذا خضنا في محاجة أهل المذاهب.
وإذا علمت مذهب الصائرين إلى أن تعلق الحكم بالصفة يدل على أن ما عدا المنطوق به بخلاف، فاعلم أن بينهم اختلافا في صفة دلالتها أيضا، فمنهم من يرى أن الحكم إنما تنتفي الزكاة عن المعلوفة من الغنم، وقال بعضهم: بل ينتفي الحكم عن سائر الأجناس.