التعري عن القرائن، فأما عند وجود القرائن فإنها تنقلها عن أصلها، وكذلك قالوا في العموم، فكذلك دليل الخطاب إنما نثبته عند الاقتصار على ذكر إحدى الصفتين. فأما إذا لم يتعر الخطاب من إضافة ذكر الصفة الأخرى، فإنه لا يدل بالتعري من القرينة الناقلة عن الأصول [على إحداهما دون الأخرى] وهذه طريقة معروفة عند أهل الفن.
وكذلك يقولون في العموم إنما يدل على الاستيعاب عند التعري من المخصص، ألا تراه إذا قال: اقتلوا المشركين إلا الرهبان، لكان ما أضاف إلى هذا الكلام من الاستثناء مجرد اللفظ، إلا نزل عن الدلالة على الاستيعاب، فكذلك إذا قال: من قتل الصيد متعمدا فعليه جزاؤه، ومن قتله مخطئا فعليه جزاؤه كان ما ذكره في المخطئ مقترنا بذكره للعامد يبطل دلالة الاقتصار على العامد، وهذا واضح.
وأجابوا عن الطريقة الرابعة بأن النطق لا تجوز فيه فيما اقتضاه من التصريح، ولكن التلويح لم يجز فيه على الأصل إذا قام الدليل على أن المسكوت عنه بخلافه، وهذا يتنزل منزلة تخصيص العموم في نقله بالتخصيص عن الأصل. وقد تكلمنا على حقيقة المجاز والحقيقة فيه هنالك.
وأما المثبتون لدليل الخطاب فلهم أيضا أربعة مسالك:
- أحدها: الاستناد إلى النقل عن اللغة، فقالوا: أبو عبيدة ذهب إلى دلل الخطاب لأنه استدل في الرد على من قال: معنى قوله عليه السلام: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعر" أن هذا في الأشعار التي هجي بها النبي عليه السلام، فقال: ما هجي النبي عليه السلام به يحرم قليله وكثيرة، والحديث ذكر فيه امتلاء الجوف، فدل على أن القليل بخلافه، وإنما تأويل الحديث فيمن تفرغ لحفظ الشعر فراغا شغله عن العلوم المأمور بها، وكذلك استدل على أن المديان الفقير لا يحبس بقوله عليه السلام في الواحد يحل عرضه وعقوبته، فدل على أن غير الواجد لا تحل عقوبته.
والشافعي صار إلى القول بدليل الخطاب، وهو من أئمة اللغة، وقد صحح عليه الأصمعي أشعار الهذليين.
والطريقة الثانية ما نقل من الأخبار الدالة على إثباته، كما نقل عنه عليه السلام لما نزل