وهكذا فهموا تحريم ما زاد على نكاح الأربع من قوله تعالى:(فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) دليل الخطاب ألا تنكحوا الخامسة فما زاد على غير ذلك مما يكثر تعداده. والجواب عن جميعه واحد، فلهذا لم نستقصه.
والطريق الرابعة ما عول عليه الشافعي من أن العاقل الحكيم يحرر ألفاظه، ويقصد إليها، وإذا قصد فلابد من غرض، وإذا كان الغرض فلا يكون إلا صحيحا، ولا غرض صحيح في الشرعيات إلا تعليق الأحكام بها وبيان حقائقها، فإذا قال عليه السلام:"في سائمة الغنم الزكاة"، فذكر السائمة لا يعد لغوا غير مقصود إليه، ولابد أن يكون قصد إليه لغرض صحيح، ولا غرض إلا التنبيه على أن المعلوفة لا زكاة فيها.
وأجاب الآخرون عن هذه الأربع مسالك فقالوا:
أما الخبران فلا دليل فيهما، لأن ذلك من أخبار الآحاد، ومسائل القطع لا يعول فيها على أخبار الآخاد، على أن ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم [قال]: "لأزيدن على السبعين" لم يثبت عند أهل الصحيح، وأشار القاضي ابن الطيب إلى أنه مؤتفك، لأنه قال: لا يخفى عن عربي، ولا من شدا طرفا من اللسان أن مثل هذه الخطاب إنما يرد مورد قطع الطمع من الغفران لهم، وأن ذكر السبعين مبالغة في قطع الطمع، ولا يظن بأحد من أهل اللسان سمع هذا أنه يفهم منه أن قصد المتكلم أن ما زاد على السبعين يخالفها، والنبي عليه السلام أفصح العرب، وأعلمهم بما يفهم عن الله سبحانه من كلامه، فلا يصح أن يضاف إليه أنه فهم من اللسان خلف ما يفهم منه.
وقد قيل: إن الاستغفار لم يكن عليه حراما، بل خير فيه، فإنما أشار إن ثبت الحديث إلى أنه باق على الاستغفار لأجل التخيير فيه، وأنه يزيد على العدد المبالغ بذكره، والاعتماد على ما قدمناه من الجواب أولا.
وأما حديث عمر رضي الله عنه في قصر المسافر الآمن، فيمكن أيضا لما رأى أن أصل الصلاة الذي استقر الشرع عليه الإتمام، وإنما جاء الشرع بالخروج عن الأصل في سفر الخوف، فيجب أن يكون سفر الآمن باقيا على الأصل، فلما رآه لم يبق على الأصل تعجب من هذا حتى سأل عنه النبي عليه السلام، فقال له ما قال. وإذا احتمل أن يكون تعجبه من مخالفة حكم الأصل، أو من مخالفة دليل الخطاب، فليس أحد الاحتمالين أولى من صاحبه. وأيضًا فإن هذا تعليق بالشرط، وجماعة من منكري دليل الخطاب تثبت المفهوم في الشرط.