وأجابوا عن الآثار المروية الصحابة رضي الله عنهم بأن ابن عباس إنما استمسك بإثبات الثلث للأم مع الأخوين بمجرد قولن:(لأمك الثلث)، فلا ينقص من هذا إلا بوجود إخوة، الإخوة ثلاثة، ويستمسك بدليل الخطاب.
وكذلك صنع في إسقاط ميراث الأخت مع البنت، لأجل أن الأصل: لا ميراث لأحد إلا بأن يثبت الشرع له ميراثا، والأخت إنما أثبت الشرع لها الميراث بشرط عدم الولد، فإذا عدم الولد تعين ميراثها، رجوعها إلى الأصل الذي قررناه، لا إلى دليل الخطاب. هذا وفي الآية كلام يطول قد ذكرناه في الفرائض من كتابنا المترجم بالمعلم.
وأما تعلق بعض الصحابة في إسقاط الغسل عن المجامع ولم ينزل بقوله:"الماء من الماء" بدليل الخطاب لأن له ماء من غير الماء، فقد قيل فيه: إنه روي "إنما الماء من الماء" وهذا لفظ الحصر، وطائفة من منكري دليل الخطاب يثبته في مثل هذا اللفظ، فقد كان عندهم معلوم أن لا غسل في مجاوزة الختان الختان، وقد خرج البخاري وغيره حديث:"لعلنا أقحطناك" الحديث المشهور، وفيه أنه عليه السلام أسقط عنه الغسل إذا لم ينزل، وفي البخاري أيضًا عن عثمان بن عفان عن النبي عليه السلام مثل هذا المعنى أيضا. فلعل القوم إنما أشاروا بالنسخ إلى مثل هذه الأحاديث لا إلى حديث "الماء من الماء". ويمكن أن يكون أيضا رأوا هذا من ألفاظ الحصر على ما سننبه عليه بعد هذا إذا تكلمنا على قوله:"الشفعة فيما لم يقسم".
وأما ما استقرأوه استقراء من تفاويهم ومذاهبهم، فالجواب العام لجميعه على (ص ١٤٩) كثرة ما يوردونه منها أنهم لم يتمسكوا بدليل الخطاب، لكن بأصول تقررت عندهم في الأحكام فرجعوا (...) فقدان الشروط والصفات المخصصة بالذكر.
ولولا تخوف الإطالة لأوردنا كل ما أورده، وأرينا في كل مسألة لهم طريقا أو طرقا في الاستدلال خارجة عن النطق بدليل الخطاب، ولكن هذا يتطلع عليه من كتب الفقه المصنفة في مسائل الخلاف.
وأما الطريقة الرابعة وهي التمسك بأن صاحب الشرع لا يليق أن ينطق إلا عن قصد، وإذا ثبت القصد فلابد من غرض، وإذا ثبت الغرض فلا يكون إلا تأسيس الشرع وتعليم والأحكام، فإن أبا المعالي جنح إلى تسليم هذا الاستدلال، واشترط فيه ما سنذكره عنه.