وأجاب غيره من منكري دليل الخطاب بأن الغرض والفائدة ثابتة، ولكن أنى لنا بتعينها؟ حتى زعم أن لا غرض سوى التنبيه على أن المسكوت عنه بخلاف حكم المنطوق به، وقد يكون الغرض الاهتمام بالصفة المخصصة حتى لا يحاول الفقيه إسقاط الحكم المرتبط بها بقياس ولا يضرب من التأويل. أو يكون ذكرها اتباعا للمعروف المألوف فيها على ما سنبينه، ولأن السؤال عنها وقع كما تأول قوم أنكروا التحديد بالقلتين في نجاسة الماء، والتحديد بما زاد على المصتين في تحريم الرضاع، بأن الحديثين خرجا على سؤال سائل عن قلتين فقال عليه السلام:"إذا بلغ الماء قلتين ... "، وسأل آخر عن التحريم بالمصتين فقال:"لا تحرم المصة والمصتان"، إلى غير ذلك من الأغراض والمقاصد التي لا تكاد أن يحاط بها، ولا يلزمنا تعيينها.
هذا، والشرع لم يستوف النص على كل النوازل، بل ذكر شيئا ووكل للعلماء إلى الاستنباط منه، كما فعل في النص على تحريم التفاضل في النسيئة، وفي الممكن أن يورد لفظا مستوعبا لجميع الربويات حتى لا يتصور فيها اختلاف بين العلماء، ولكنه لم يفعل توسعة على الأمة بالاجتهاد في المسكوت عنه، وليرفع الله درجة الذين أوتوا العلم بالاستنباط من كلامه في الأمور الدالة على مراداته وأحكامه، فقد يجري التخصيص بالصفة هذا المجرى، ويقصد فيه هذا المعنى.
ولما أحس أبو المعالي بما على الاستدلال من هذه الاعتراضات التي أوردناها اشترط في كون الصفة مشعرة بأن ما عداها بخلافها، أن تكون الصفة مخيلة بالحكم مناسبة له مناسبة التعاليل للأحكام، فحينئذ يدل مقتضى اللسان على أن ما عدا المذكور بخلافه، لأن التعليل يقتضي الارتباط، ولكن لا يعطي هذا التعليل المقرر في هذه الصفة أحكام التعليل بالعلل المستنبطة الشرعية، فإن العلل الشرعية لا توجب انتفاء الحكم عند انتفائها، بل يجوز أن يثبت الحكم عند انتفائها بعلة أخرى، على ما سنبسطه في كتاب القياس إن شاء الله، ولكن هذه الصفة المنطوق بها إذا قدرناها مخيلة مشعرة بالحكم فإنا إنما أوجبنا انعكاسها، وأن يبقى الحكم عند انتفاء الصفة، لكون هذا وضع اللسان ومقتضاه في مثل هذه الحال، وما كان من مقتضيات اللسان بخلاف العلل المستنبطة، والتقدير في مثل هذا أن صاحب الشرع قال: هذا الحكم يحصل عند حصول هذه الصفة وينتفي عند انتفائها.
وإنما استدللنا بالإخالة والمناسبة على أن هذا معنى قوله ومراده بالتقييد الذي