للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعجزة حينئذ لينبئ عنه تعالى، أنه صدقه فيما قال، فالكذب على جهة غلط اللسان والسهو، والوهم باق على الجواز على حسب ما عهد من الطبية البشرية، فإن وجد وسمع وجاء شرع بعصمة الرسول عن شيء من هذا اتبع في ذلك الشرع المنقول، لا دلالة العقول.

وزعم القاضي هاهنا أن الشرع جاء بأنه لا يقع منه غلط ولا سهو فيما يتعلق بعقائد الإيمان، وادعى الإجماع على ذلك. ولم يسلم أبو المعالي الإجماع في هذا بل أبقاه على الأحكام المجوزة، ومتى قيل للقاضي في هذا الإجماع الذي أشار إليه ما تصنع في الحديث المذكور فيه أنه تلا في سورة النجم: "تلا الغرانيق العلى" إلى آخر ما تلا، في ذلك؟

أجاب بأن هذا إذا سلم أمكن أن يكون الشيطان حاكي صوت النبي صلى الله عليه وسلم حين تلاوته محاكاة يتعذر على السامعين تمييزها، وإليها الإشارة بقوله تعالى في آية أخرى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته)، الآية فأشار إلى أن الشيطان يلقي في تلاوة الرسول والنبي إذا تلا، وهذا الحديث منه، وقد جرى الرسم بأن يعبر عن هذا الفصل بأن يقال: هل يجوز على النبي الغلط والسهو فيما طريقه البلاغ عن الله سبحانه؟

وذكر أبو المعالي هذا المعنى فقال: أما ما يتعلق بالتكاليف ففيه اضطراب، فإن أراد بهذه العبارة ما يتعلق بالتبليغ عن الله سبحانه ففيه ما حكيناه (ص ١٥٥) ومذهبه تجويزه عقلا، وإن أراد بهذه العبارة جميع القرب الواقعة منه، سواء كانت بلاغا أو غيره، فالمعروف عند [الفقهاء] أن ما يتعلق بالبلاغ فلا يمنع فيه النسيان، وأشار بعضهم إلى منع النسيان على الإطلاق.

ولما احتج عليه بما رواه ذو اليدين من "سلامه عليه السلام من اثنتين" الحدث المشهور، أجاب بأنه قد قيل: "إني لا أنسى بل أنسى" الرواية كما وقعت في بعض طرق الحديث، وزعم هؤلاء أنه عليه السلام كان يؤمر بأن يتشبه في مثل هذا بالناسي حتى يعلم أحكام النسيان. وهذا جواب من أفرط في التعس، ولا معنى لله ورب من جواز النسيان عليه في هذا، وإضافة ما هو أبعد منه من أفعال يتخيل منها معاني التدليس والتلبيس، وقد قال في الحديث: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني" الحديث.

وإذا قلنا بجواز وقوع الغلط والسهو فيما طريقه التبليغ عن الله سبحانه، فإن أصحاب

<<  <   >  >>