هذا المذهب يشترطون أن الرسل لا تقر على اغلط، بل ينبهون عليه عن قرب حتى يرجعون إلى البلاغ للحق.
وأشار أبو المعالي [إلى] أن اشترط القرب في التنبيه لهم لا يجب، بل يصح تأخير تنبيههم على الغلط ما لم ينقرضوا ويموتوا، فإنه لا يجوز أن يموتوا غير منبهين على ذلك الغلط.
هذا جملة ما يتعلق بالكذب والغلط في الأخبار البلاغية عمدا أو سهوا.
وأما الأخبار الدنيوية التي لا مستند لها إلى الأحكام، ولا إلى أخبار المعاد، ولا تضاف إلى الله سبحانه، بل هي مما يتفاوض الخلق فيه فيما بينهم، [مثل] خبره عن شخص لقيه، أو طعام أكله، لا يقصد بذلك إثبات حكم وتعليم شرع، فهذا فن آخر، وهو أيضا ينقسم إلى العمد والسهو.
فأما العمد فلا شك أن الإكثار من هذا يلحق بالمعاصي الموبقات، ويندرج في جملة الكبائر، وسنتكلم على أحكام الكبائر.
وأما الكذبة ونحوها التي لا تؤدي إلى احتقار وازدراء بقائها، وهي مما يلتحق بالمعاصي الصغار، فسنتكلم عليها أيضا في جملة أحكام الصغائر.
وأما وقوع الكذب في مثل هذا النوع الذي لا يتعلق ببلاغ ولا إخبار عن الله سبحانه فإن وقوعه سهوا لا شك في جوازه على رأي القاضي، لأجل ما قدمناه من أن القاضي يجيز الكذب سهوا وغلطا في الخبر البلاغي، فكيف بالخبر الدنيوي.
وقد كنت تكلمت على هذا السؤال وأنا في سن الحداثة فذهبت فيه إلى المنع، وسئل عن ذلك شيخنا أبو القاسم سليمان الأصولي رحمه الله، فلم يرجع عنه جوابا، وخالفني بعض الأصحاب، وتكلمت معه على السؤالين بين يدي أستاذنا الشيخ الفقيه أبو محمد عبد الحميد رحمه الله، واحتججت عليه بأن هذا إجماع مستقرا، وذلك أنا نعلم أن الصحابة عليه السلام كانوا يبادرون إلى تصديق كل من يقول، والثقة به على الفور، والبدار عند ما يقع منه الإخبار في أي نوع كانت الأخبار، غير متوقفين في شيء من ذلك منها، ولا مترددين في بعضها، ولا ملتفتين إلى [عدمي] تجويز أن يكون منها ما حكى.