للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا يتأولون ما استدل به من الآيات المشيرة إلى هذا كقوله: (وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعًا وأناب* فغفرنا له ذلك)، والمغفرة تقتضي ذنبا، وقوله تعالى في يونس: (إني كنت من الظالمين)، وقوله في آدم: (وعصى* أدم ربه فغوى)، فقالوا: هذا كان قبل نبوة آدم، ألا تراه يقول: (ثم اجتباه ربه)، فاشار إلى أن الاجتباء كان بعد المعصية. وكذلك يسلكون في جميع الظواهر والآي طرق التأويل.

وهذا الخلاف في صغيرة واحدة أو ما في معناها، فأما إذا تكررت وكثرت حتى تلحقها كثرتها بالكبائر، فإن الجواب يعود إلى ما قدمناه في الكبائر. وكذلك يجب أن لا يختلف في صغيرة مواقعتها عنوان خساسة النفس، وسوقط المروءة كسرقة حبة بر، وربما كان في المباحات ما يسقط المروءة ويزيل الحرمة، حتى يلحظ مواقعه بغير الخساسة والازدراء، كنحو ما يقع في بعض الممازحة والمداعبة، أو [ما] في معنى ذلك، فهذا أيضا مما يعصم منه الأنبياء، وجرى الرسم بأن يعبر عنه بما عبرنا به. والأمر إذا خرج إلى مثل هذه الحال قد يخرج الشيء عن حكم الإباحة، وهذا يبسط في موضعه.

وأما عصمة النبي قبل أن يتنبأ فإنا لا نشترطها، ولكن لم يرد في الأخبار أن الله بعث من كان كفر، والأخبار تدل على أن ذلك لم يقع على ما زعم أهل الأخبار.

وأما الفواحش الموبقات فهو أحرى بالتجويز من الكفر، وقد ذهب قوم إلى منعها جريا على ما كنا أشرنا إليه من أن في ذلك تنفيرا عن الرسول، وقد يعير بما تقدم من زلاته، أو يعتقد احتقاره بسببها. وقد قدمنا نحن أن لا نسلم بهذا الأصل، ولا نوجب على الله سبحانه أن يفعل بالرسول كل ما يبعد من النفار عنه، وقد هزم الرسول، وجرح وتولى ذلك الكفار، ولم يعصم من هذا لئلا يحدث منه في بعض النفوس الجاهلية بالله سبحانه نفار.

وأما الملائكة فالرسل منهم إلى النبيين حكمهم مع النبيين فيما ذكرناه من العصمة، حكم النبيين المرسلين إلينا معنا، وأما من سواهم من الملائكة فقال قوم: جميعهم معصومون لقوله تعالى: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)، هذا خرج مخرج المدح، فوجب حمله على التعميم، ولو كان المراد به: لا يعصون في أمر وحال دون حال،

<<  <   >  >>