للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكانوا كبني آدم، لا وجه لاختصاصهم بهذا الوجه. وقيل: بل جائز عليهم، وقد تحمل الآية عند هؤلاء على الملائكة المقربين أو من في معناهم، وهذا لا حاجة للفقيه به، فنطنب فيه.

وإذ قد نجز القول فيما يعصم منه النبي، وما يجوز عليهم، وما لا يجوز، فلنذكر الآن أحكام الاقتداء بهم في أفعالهم.

فاعلم أن قدمنا تقسيم أفعال المكلفين إلى الوجوب والحظر، وغير ذلك مما قدمناه من أقسام الأحكام العامة لجميع المكلفين، فأما قسم المحظور منها فإنه ساقط فيما نحن فيه إذا قلنا بعصمة الأنبياء صلوات الله عليهم من الصغائر والكبائر. وإذا قلنا بجواز وقوع الصغائر منهم، لم يسقط هذا القسم، ولكن أشار أبو المعالي وغيره إلى أنه لا مطمع في إثبات الاقتداء بهم في أفعالهم على القول بتجويز وقوع صغائر المعاصي منهم. وهذا عندي فيه نظر (ص ١٥٧) لأن من يجوز وقوع المعاصي الصغيرة منهم، فإنه لا يجوز توالي ذلك وتكرره، على حسب ما قدمنا، وإنما يجوز وقوع الفلتة منهم، فالفعل إذا وقع مطلقا ولم يقارنه ما يدل على أنه معصية، قد يحيله هؤلاء على أنه من قبيل الجائز، لأن الجائز هو الغالب والظاهر. وكل أمر محتمل في الشرعيات، وأحد محتمليه أظهر، فإنه يستعمل في الشرعيات، ويحتج بالظواهر فيها على حسب ما قدمنا في كتاب الأوامر وكتاب العموم، فلست أرى جواب من جوز المعاصي على الرسل ينشط إلى ما أشار إليه أبو المعالي من إسقاط القدرة بالرسل لتجويز أمر نادر، وما عندي أن القوم يستسهلون هذا الإطلاق.

وأما ما يجوز كونه معصية إما لإحالة المعاصي عليهم، أو لقرينة نفت المعصية، أو أخذ بالظاهر على ما أشرت أنا إليه، فإنه لا يخلو أن يكون من قبيل الأفعال التي يلحق بما تقتضيه الجبلة والطبيعة كالمنام والقيام والقعود، فإن هذا القسم لم يذكر فيه اختلاف أنهم لا يسوغ اتباعهم فيه، لأنه كالواقع منهم من غير قصد، أو كالموجود فيهم بغير اختيارهم.

وأما ما سوى هذا مما يقع عن قصد مبتدأ مجرد ولسبب ما، فإنه لا يخلو من أن يكون قارنه قول على اقتداء الخلقية بالرسل فيه، أو يقع على حالة تجري مجرى ما قرانه القول، أو يكون معرى من ذلك.

فأما إذا قارنه قول تضمن الأمر بالاتباع في الفعل كقوله في صلاته صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما

<<  <   >  >>