للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأيتموني أصلي وفي حجه: "خذوا عني مناسككم"، فإن هذا لا شك في أنه قد شرع اتباعه على فعله، ولكن إنما صير إلى هذا لأجل ما قارنه من الأمر بالاتباع، فالمتبع القول، والأفعال كالأعلام على الاتباع.

وكذلك إن لم يقارن الفعل قول ولكنه وقع منه موقع البيان لمجمل عند سؤال سائل عنه مست الحاجة إلى بيانه، أو شوهدت قرائن دلت على أنه قصد به البيان والامتثال للأمر، فهذا أيضا قدر شرع لنا اتباعه عليه، على حسب ما تضمنه القول المبين.

وأما إن لم يكن من الأفعال التي تجري مجرى الجبلة، ولا من الأفعال الاختيارية التي قارنها قول أو شاهد حال على حسب ما ذكرناه، فلا يخلو أيضا أن يكون أوقعها على وجه التقرب إلى الله سبحانه، أو أوقعها إيقاعها مطلقا لا يظهر فيه قصد التقرب، فإن المصنفين اختلف نقلهم للمذاهب في هذين القسمين.

فبعضهم يقيد النقل في الفعل الواقع على جهة القربة خاصة دون ما وقع مطلقا.

وبعضهم يجعل القسمين يجريان مجرى واحد في نقل الخلاف فيهما، فقيل في الأفعال الواقعة على هذين القسمين أما قصد القربة، أو الإطلاق أن ذلك محمول على الوجوب، فيلزم الأمة، ويجب عليها أن تفعل كما فعل، حكي ذلك عن مالك، وأشار ابن خويز منداد إلى أنه مذهب مالك، وقال: وجدته في موطئه يستدل بأفعال النبي عليه السلام، كما يستدل بأقواله، وهذا المذهب الذي اختاره ابن خويز، وبه قال قوم من أهل العراق، ومن أصحاب الشافعي.

وقال قوم من أصحاب الشافعي، بل نحن مندوبون إلى أن نفعل مثل ما فعل.

وقال قوم: بل فعله هذا لا يتضمن أكثر من إباحة الفعل لنا وجوازه منا.

وقال آخرون بالوقف في هذا الفعل على حسب ما قتوله الواقفية في صيغ الأوامر، والعموم، وهو مذهب القاضي ابن الطيب، وبه قال أبو بكر الصيرفي من أصحاب الشافعي، واختاره الشيرازي.

لكن الشيرازي لما اختار الوقف ذهب إلى أنه متى علم كيفية الحكم الذي أوقع عليه السلام عليه فعله وجب الخروج عن الوقف، وأن يؤمر بالاتباع واجبا، أو ندبا، على حسب ما علمنا أنه وقع الفعل عليه.

<<  <   >  >>