وحكي عن الدقائق أنه يتمادى على الوقف، ولو علم كيفية حكم وقوع فعله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الذي ذكرناه من هذه المذاهب كلها فيما وقع على وجه القربة، أو مطلقا على رأي قوم ألحقوا هذا القسم المطلق بالذي قيدناه يعضد القربة.
وأشار أبو المعالي إلى أنه لا يصير إلى وجوب الاتباع في الفعل المطلق إلا ضعفه الفقهاء، وذكر أنه مذهب نسب إلى ابن سريج، وأبعد أن يقول ابن سريج به.
وأما لو وقع الفعل مقترنا بما دل على أنه مباح كأفعاله الصادرة منه صلى الله عليه وسلم، المخير بين فعلها وتركها على حد سواء، فإن المشهور عند الأصوليين أن اتباعه عليها لا يجب ولا يستحب.
(ص ١٥٨) وذهب قوم إلى أنه يستحب لنا فعل مثل ما فعل من أفعاله المباحة.
وحكى بعض المصنفين أنه يجب علينا أن نفعل مثل ما فعل في سائر أفعاله حكاية على الإطلاق، وأشار فيها إلى المساواة بين أفعاله المباحة، وما قصد به القربة، هكذا أشار بعض المصنفين في حكاية هذا المذهب عن قوم.
والذي اختاره أبو المعالي أن أفعاله الصادرة منه على جهة التقرب تندب، نحن إلى نقل فعلها وأفعاله المطلقة التي لا يقصد بها التقرب تنبئ عن إباحة الفعل لنا من غير ندب إليه، وأفعاله له فيما لا يتعلق بالأحكام التي هي من خصائصه، وميز فيها عليه السلام عن أمته يقف عليها هل شرع لنا اتباعه عليها أم لا؟
فهذه جملة المذاهب في جميع هذه الأقسام.
وأما سبب الاختلاف، فليعلم أن القائلين بوجوب اتباعه على أفعاله مختلفون؛ هل يدل على ذلك العقل أو السمع؟ وكذلك [الـ]ـصائرون إلى حمل ذلك على الندب مختلفون أيضا هل دلهم على ذلك العقل أو السمع؟
فأما طريقة من تمسك بالعقل في الوجوب فإنهم يقولون: التكليف له صلى الله عليه وسلم يقتضي كونه مصلحة، ومصلحتنا كمصلته. وأيضا فالذي يفعله حق وصواب، والصواب يجب أن يتبع. وأيضا فلو سامحنا في أن لا نتبع أدى إلى التنفير عنه.
وهذا الذي قالوه باطل، أما المصالح فلا نشترطها في التكليف، ولو اشترطناها لاختلف [ذلك] باختلاف الأشخاص، كما اختلف للحائض والطاهر، والمسافر