والحاضر. وكذلك الصواب والحق يختلف باختلاف الأشخاص واختلاف أفعالهم.
وأما مراعاة ما ينفر فلا نشترطه في النبوات، ولو اشترطناه لم نسلم كون هذا منفرا، وقد هزم صلى الله عليه وسلم وجرح، ووقع في شرعه النسخ، ولم يمنع ذلك لئلا يقع فيه تنفير، قال تعالى:(وإذا بدلنا أية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر).
وكذلك القائلون إن الندب يوجب من طريق العقل، إنما عولوا على ما لا يعول عليه فقالوا: الاتباع مأمور به، والندب منه متيقن، فلا يزاد على اليقين. وأيضا فلو وجب الاتباع لوجب أن يبحث عن باطن أفعاله وظاهرها.
وهذا غلط منهم لأصحاب الوجوب بقولون: الأحوط والأخذ بالحزم يقتضي الحكم بالوجوب، ولأن الاتباع أمر به وتجويز تركه لسنا على ثقة منه، فلا يخاطر بالتساهل في الترك. وأما البحث عن أفعاله فإنه إنما يسلك في ذلك المسلك الذي جاء الشرع به، وما لم نعلم من فعله لا حكم علينا [فيه]، وإنما هذا الخلاف فيما حصل معلوما لنا، وتطلب علمنا بأفعاله مسألة أخرى.
وأما الراجعون إلى السمع من المذهبين فإنهم يستمسكون بقوله تعالى:(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، ويرون أن قوله:(لكم) ينفي الوجوب، لأنه لو كان واجبا التأسي والاقتداء به لقال بدل "لكم""عليكم". وأجاب الآخرون عن هذا بأنه قد قال: "لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر ومن يتولى فإن الله هو الغني الحميد)، وهذا تهديد ووعيد يدل على الوجوب.
وجوابنا للجميع أن يقابل بعضهم فتتعارض أقوالهم فتسقط. وأيضا فإن التأسي والاقتداء إنما يتعلق إذا اتبعناه على فعله على حسب ما أوقعه عليه، وعلى حسب ما أمرنا باتباعه فيه.
وكذلك تعلقوا بقوله تعالى:(وما أتاكم الرسول فخذوه)، وهذا ينازعون في قوله:(فخذوه)، فإنه صيغة الأمر، وقد علم اختلاف الناس في صيغة الأمر المجرد، هل يوقف أم لا؟ مع أن أفعاله ليست مما أتانا [به]. وأيضا فقد قال عطفا على هذا: (وما نهاكم عنه