صدق بعض المدعين لحقوق لهم على غيرهم ضرورة، وقد أنكر هذا غيره من الأئمة، وقال: قد تكررت الدعاوى في مرور الأعصار في سائر الأمصار، ولا أحد من القضاة سمع منه أنه علم صدق مدع على الضرورة، وما ذاك إلا لاطراد العوائد، بما قلناه من أنه لا يقع العلم بخبر الواحد على حال.
وهذه طريقة إنما سبق النظام [بها]، فذكر عنه أنه قال: يقع بخبر الواحد العلم، ونقل بعض المصنفين عنه هذا مقيدا إذا ضامته قرينة. ورأى أبو المعالي أن هذا النقل الثاني أولى وأشبه به.
وذهب ابن خويز منداد من أصحابنا إلى أن خبر الواحد يوجب العلم الظاهر، ولعلنا أن نتكلم عن مذهبه فيما بعد.
وبالجملة فإن هذه المثل ربما تصور في بعضها قرائن تقتضي العلم الضروري، وإن لم يصحب القرائن خبر، كمثال من لقيناه خارجا من الحمام على صفة ما ذكرناه، فإنه ربما كان [معه] قرائن تدل على أنه خرج من الحمام وإن لم (ص ١٩٢) يخبر بذلك الخبر، لاحظ له في هذا، وما صوره الآخرون من الشكوك والتجويز لا معنى له، لأن القرائن لا تنقل، وإن اعتمد النظام ومن واقه على مجرد الأوصاف التي وصفوا، غلطوا، وطرق الإمكان والتشكيك لها فيها مجال، لكن لا يبعد أن يكون هناك من الأوصاف التي ذكروا أحوال لا يعبر عنها، فيقضي مجموع ذلك العلم، ولا قدرة لألسن خلق الله وأقدرهم على التصور والتصوير أن يعبر عن جملة القرائن، ولا يبين بعبارة عن فرق ما بين شحوب المريض وشحوب الخائف.
وقد ذكر الشافعي أن من شهد عند القاضي بأنه رأى طفلا التقم ثديا، وهو يمصه، ويتجرجر ما يمص، فإنه لا يثبت قضية بأن الطفل رضيع للمرأة حتى يقطع الشاهد الشهادة بأنه قد ارتضعته المرأة، معولا في ذلك على قرائن أحوال شاهدها ضامت هذه الأوصاف.
وأما الوجه الثالث وهو شرط خبر التواتر الذي يقع العلم عنه، فإنا قدمنا مذهب أبي المعالي، ما يفهم منه أنه يرى اتحاد الشرط في هذا الفن، لأنه يسند وقوع العلم إلى القرائن، ولا يعتبر أن يكون المخبر واحدا أو آحادا، ويرى أن كثرة العدد أحد القرائن. فأما القرينة المضامة لخبر الواحد الذي يقع العلم عند خبره، فلا يمكن أن يشير إليها بعبارة تضبطها. وأما القرينة التي نشير إليها في خبر التواتر، فإن العبارة عنها أن الكثرة التي لا