للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقولون لهم: أنتم تدينون بصدق موسى صلى الله عليه وسلم، وموسى الذي تصدقونه قد حذرنا منكم ومن دينكم. والدليل على أن خبر مؤتفك اختلف بعد ذهاب عصر النبي عليه السلام أن هذا الخبر لو كان صحيحا لخصمت به اليهود محمدا صلى الله عليه وسلم، ولقالت له: (ص ١٩٣) أنت تأمرنا بتصديق موسى وطاعته، وموسى قد أمرنا بتكذيبك ومنافرتك، فلا يمكن أن يكون هذا الخبر عندهم، ويعدلون عن محاجة النبي عليه السلام به إلى ترهان يوردونها عليه، ومسائل يمتحنونه بها، مما لا حظ لها في أن تكون من قوى الشبه، فضلا عن أن تكون حجة يخصم بها صلى الله عليه وسلم.

وهكذا اعتذارنا عن إطباق النصارى على أن عيسى قتل وصلب، فإنا لا نجد أنسنا مضطرة إلى العلم بصدقهم، وما ذلك إلا أن هذا الشرط الذي ذكرناه من استواه الطرفين والواسطة انحل عليهم، وتلقوه عن آحاد شبه عليهم.

وهكذا يقال للإمامية في نقلهم النص عن علي رضي الله عنه، فإنهم إن قالوا: إنا من الكثرة بحيث لا يصح منا التواطؤ على الكذب. قلنا لهم: إنما دخلت عليكم الدخيلة من مبتدأ الخبر، لأنكم لم تنقلوه كثرة عن كثرة حتى تتصل الكثرة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأقل الكثرة منكم إنما تلقنته من آحاد، تعمد الكذب عليهم ممكن في العقول وفي العادة، فلهذا لم يقع العلم لنا بخبركم.

وقد أنكر أبو المعالي عد هذا شرطا فيما نحن فيه، وإن كان القول في نسه صحيحا، وذلك أنه رأى [أن أهل] كل عصر مستقلون بأنفسهم في خبرهم، والناقل عنهم إن كان من الكثرة بحيث لا يكذب فقد صدق فيما نقل، ويقع لنا العلم بصدقه، وإن كان أهل ذلك العصر آحادا لم يقع للسامعين العلم بصدقهم، فقد صار هذا الشرط منحصرا فيما تقدم من اشتراط الكثرة، وإنما يحسن أن يترجم عن هذا بأن يقال: هل يندرس ما تواتر أولا يندرس؟ وينظر هذا في باب القول على ما يندرس من أخبارا لتواتر، ويشيع من أخبار الآحاد. وقد كنا ذكرنا أن الكثرة أحد الشرائط الثلاث في وقوع العلم بالخبر المتواتر، فأما ضبط الكثرة من ناحية النهاية والآخر، فلا سبيل إليه، ولم يذهب إليه ذاهب، ومحال أن يتصور، لأنا لو قدرنا أن مائة ألف يقع العلم بخبرهم وهم نهاية من يقع العلم بخبرهم لاقتضى هذا أن مائتي ألف لا يقع العلم بخبرهم، فيصير زيادة الكثرة وتضاعف الأعداد في المخبرين ضعفا في الخبر، وهذا عكس المعلوم قطعا.

وأما ضبطهم بعدد ما [من] ناحية المبدأ والأول، فقد كثر اضطراب المتكلمين في هذه المسألة من سائر الطوائف، فنقلت في ذلك مذاهب، ولو سبق الأئمة لنقلها لاقتضى الحال الإضراب عن ذكرها، لإشعارها ببعد المذاهب إليها عن التحصيل.

فمن ذلك قول أبي عبد الرحمن صاحب العلاف: أقل ما يقع بخبره العلم خمسة

<<  <   >  >>