للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه لا يخفى عن خواص العوام بعدها عن التحصيل، وبعد هذه التشبيهات، وأي مناسبة بين عدد جنس اتفق للإمام اللقاء به في حرب ما وبين وقوع العلم بصدق الأخبار، وكم غزا النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة، وكم أسرى من سرية، أعداد جميع ذلك مخالف بعضه لبعض، وكل ذلك مبني على الحاجة والمصالحة والكفاية في الحرب، والدعاء إلى الجهاد، وتحصيل الأجر والغنائم، وهذا ليس من وقوع العلم بالأخبار في ورد ولا صدر.

وقد أدى قوما الإفراط إلى أن ذهبوا إلى أن أقلهم أن يكونوا بحيث لا يحويهم بلد ولا يحصيهم عدد، وهذا إسراف، ونحن نعلم أن أهل مصر وبغداد إذا أخبروا عن شيء رأوه فإنه يقع للسامع العلم بخبرهم، وقد حواهم بلد ويمكن أن يحصروا بعدد، ولو جرينا إلى ما لوحوا به لقلنا به، ولو كانت مدائن كثيرة هي أكثر العالم لأمكن في العقول أن تعد، ولكن عند انتظام أمور يبعد في العادة اتفاقها.

وبالجملة هذا المعنى يلوح لأنه لا مناسبة بينه وبين وقوع العلم، اللهم إلا أن يشيروا بكونهم لا يحويهم بلد إلى أن أهل البلد الواحد يمكن تواطؤهم لتجاورهم ولقاء بعضهم بعضا، فهذا قد يكون من الأمور المناسبة لوقوع العلم، لكن نفرض عليهم حالة لا يمكن تواطؤ أهل بلد فيها، أو حالة يمكن تواطؤ أهل بلد عليها، حتى يبطل ما قالوه طردا وعكسا.

وأما الذاهبون إلى اشتراط كونهم مختلفي الأديان والآباء، أو الذاهبون إلى اشتراط كونهم مؤمنين، أو اليهود الذاهبون إلى اشتراط كون المخبرين أهل ذلة وصغار، أو الذاهبون إلى اشتراط ألا يكونوا محملوين على أن ينقلوا الخبر الذي أخبروا به فإن هذه شرائط جميعها ظاهر الفساد.

وأما اشتراط اليهود أن يكون الناقلون أهل ذلة وصغار وجزية فباطل فباطل، لأنا نراهم أن المسلمين ينقلون ما يعلم صدقهم فيه ضرورة، وكذلك من اشترط كونهم أهل أديان مختلفة يبطل ايضا بانفراد المسلمين بالنقل وهم أهل دين واحد. ويقال لليهود: كنتم في أول أمركم لستم في ذلة وصغار، فيجب أن لا يقع لكم العلم بنقل أسلافكم الذين لم يكونوا في ذلة وصغار، فدينكم وأعلام شرائعكم على هذا غير معلوم عندكم، وهذا لا جواب لهم عنه.

ويبطل اشتراط من اشترط كون الناقلين مؤمنين بأن يقع العلم بنقل سائر اليهود، أو سائر النصارى، لأمر ما شاهدوه، وهم ليسوا بمؤمنين.

وأما اشتراط من اشترط ألا يكونوا محملوين على نقل ما نقلوه فلا معنى له، وصاحب هذا المذهب أشار إلى حقيقة، ولكنه لم يضعها موضعها.

<<  <   >  >>