للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أهل الحجيج قال وقد أفاض من عرفات: قد جاء جيش لعرفة، فحارب أهلا، وقتل منهم خلقا، ثم كل من أفاض من عرفات سمعوا كلامه ولم ينكروا عليه، وفهم رأيهم، وشاهد حالهم، وسامع هذا المقال [يشعر] أنهم قد نطقت قلوبهم به، وألسنتهم كالمفصحة به، وإن لم تفصح، فإنه يعلم بالضرورة صحة هذا الخبر، كما يعلم صحته لو نطقوا به أجمعون. ومهما وجد السامع لهذا الخبر في نفسه تشوفا إلى امتراء فيه، فإنما ذل تشوف منه إلى الأسباب التي لا يعلم صدق الخبر إلا عند العلم بارتفاعها، فقد تشوف نفسه إلى أن القوم لم يسمعوا قول هذا المخبر، أو إلى أنهم اتقوا من الإنكار عليه تقاة، أو إلى غير ذلك من الأغراض، ونحن إنما فرطنا حصول العلم عند القطع على ارتفاع هذه الأسباب، وهذا كما قدمناه من أن العلم الضروري إنما يحصل عند سماع الخبر المتواتر، مع القطع بارتفاع الأسباب الحاملة على الكذب، وهذا الذي قلناه لا ينكره من رجع إلى نفسه، وحكم عقله في وجدان ما يجد عند سماع هذه الأخبار، إما نطقا و [إما] إفهاما.

وبالجملة فإنا إذا نظرنا فيما تقدم أن المعتمد في ذلك كله على القرائن، وهي مما لا ينضبط، وقد يتفق فيها مع اسكوت ما لا يمتري عاقل فيه أنه وقع له العلم الضروري على حسب ما وقع له عند نطق هؤلاء المشار إليهم بالسكوت.

وقد عد في القسم الذي يعلم الكذب فيه بالاستدلال خبر واحد، أخبر أهل التواتر الذين لا يصح أن يكونوا بضد ما أخبر به، وهذا في عده من هذا النوع نظر، لأن الواحد إذا قال: لم يمت زيد. وقال ألوف من الناس لا يصح أن يتواطؤوا على الكذبك بل مات، فإنه إذا كان خبر هؤلاء يقع به العلم الضروري، فمن ضرورة العلم الضروري، فإنه قد مات، [و] كونه قد كذب من قال: إنه لم يمت [ظاهر]، لكن هؤلاء الجمع لم يخبروا بنفس ما أخبر هذا الكاذب، وإنما أخبروا بضده، ومن ضده علم كاذب خبر هذا، فإن كان المراد بعده من هذا القسم هذا المعنى، فغير مستنكر إلى من جهة مناقشة في تحقيق عباراته، ونظر في تعداد علوم ومعلومات مما يتعلق بعلم الكلام.

وقد عد أيضا من الأقسام التي يعلم فيها الكذب بالدليل خبر من ادعى النبوة ولم (ص ١٩٨) يأت بمعجزة، فإن عدم المعجزة دليل على كذبه.

هكذا أطلق أئمتنا هذا المقال، ونحا فيه أبو المعالي إلى نحو من التفضيل، فقال: أما إن لم يطالب هذا الرجل الناس بشريعة واتباعه على تكاليف، فإنا لا نقطع على كذبه من ناحية عدم المعجزة، وأما إن كلف الناس باتباعه والتزام لوازم ويعرضها عليهم، وامتثال أوامر ونواهٍ فإنا نقطع على كذبه، لأنه جاء بتكليف ما لا يطاق [وهو] محال. ومر على أصله

<<  <   >  >>