للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي قدمناه في أول الكتاب، لما تكلمنا على المذاهب في تكليف ما لا يطاق. ولو سكلنا في الإحالة هذا المسلك الذي أشار إليه أبو المعالي لم نقطع بكذب هذا الرجل، لأجل أن أئمتنا لا يحيلون من ناحية [العقل] تكليف ما لا يطاق، لكن أئمتنا قطعوا على تكذيب هذا المدعى النبوة، وإن كانوا يجوزون تكليف ما لا يطاق، من أجل ما قام عندهم من الأدلة القاطعة، وتمهد من أمر الشريعة أنه لا يصح أن يبعث الله رسولا يكلف الناس، ولا يؤيده بمعجزة، لا سيما أنه إذا قال: إن أرسلني وأخبرني أنه يظهر على يدي معجزة تدل على صدقي فلم تظهر على يديه، فإنه افتضح أمره بما افتضح فيه، وبان كذبه، لأنا نعلم أن الله سبحانه لو قال له ذلك لم يكذب ولأظهر المعجزة على يديه، فثبت أن الكذب من جهته تصور، فقد حصل الغرض المطلوب من تكذيبه. وغير بعيد أن يدعي في مثل هذه الصورة التي صورناها من القول والدعوى، وقرائن تصحب ذلك أن العلم يقع بكذبه من قرائن اجتمعت وانتظمت بحاله ودعواه، ونحن وإن لم نشترط انعكاس الدليل، فنقول: إذا دلت المعجزة على الصدق وجب أن تدل على الكذب، كما تقول: إذا دل وجود العالم على وجود الله سحبانه، فإنه لا يدل عدم العالم على عدمه تعالى، وكذلك إذا دل إحكام على المحكم، فإن عدم الإحكام لا يدل على الجهل. وقد يدعي الإنسان أنه يحسن الكتابة فيمتحن فيكتب خطا جيدًا فيعلم منه أنه كاتب، وقد يكتب خطا قبيحا لعلة وغرض سنح له أداه إلى إخفاء أمره، وهو مع هذا عالم بالكتابة، فلا يدل خطه الدنيء على أنه لا يحسن الخط الجيد، لكن ربما تصورت قرائن في بعض المجالس تقطع على ارتفاع الأسباب التي تدعوه إلى الإخفاء، ويعلم منها ضرورة أنه لو كان عالما بالخط الجيد لكتبه، فيصير عدم كتابته مع القرائن دلالة على جهله.

وتنخرط في هذا السلك مسألة أخرى، وهي متعلقة بالقول في كرامات الأولياء، ولا مطمع في استقصائها هنا لأنها متعلقة بفن الكلام، وفي كتب الكلام يبسطها العلماء، لكن نشير إلى ما أشار إليه أبو المعالي، وذلك أنه يقول: يجب أن يتشكك الإنسان أيضا في خبر من أخبره عن تقلع جبل، أو ما في معناه من خوارق العادات، لتجويزه أن يكون ذلك الخرق لولي. وأجاب عن ذلك بعد استخارته الله سبحانه بأنه يقطع على بطلان مثل هذه الأخبار، ما دامت العوائد المطردة على ما هي عليه، والعلوم الضرورية لازمة للقلوب بكون هذه المخلوقات على ما هي عليه، حتى إذا صار الإنسان إلى زمن تشوشت علومه الضرورية المستندة للعادات، وشاهد كثيرا من انخراقها، فإنه حينئذ يأتي منه التجويز لصدق هذا

<<  <   >  >>