الخبر، ونحن الآن والعادة مطردة تجوز الكرامة تجوبزا لو وقع لكان خارقا. وأما تجويز إيجاد موجود، والآخر تشكك في وقوعه. وقد تقدم في صدر كتابنا هذا الإشارة إلى فرق ما بين تردد العقل تردد حيرة ووقف، وتردد تجيوز وإمكان، مع القطع على ذلك.
ومما يتعلق بأحكام الإخبار النظر فيما يعلم كونه بالضرورة المستندة للعادات، وقد ذكرنا هذا القسم ومثاله على الجملة فيما تقدم من التقسيم، ولكن أفردنا هاهنا الكلام على فرع من فروعه لاتساع القول فيه، وذلك أنك تعلم أن العادة مطردة بأن الخطب الجسيم، والثناء العظيم، والحادثة المجهولة التي تطيش لها الأحلام، يمكن إذا شاهدها الخلق العظيم والجم الغفير، أن ينفرد منهم واحد بالإخبار عنها، دون سائر الناس كخطيب قام على منبره يخطب للجمعة في مصر عظيم كبغداد وأمثالها، وقد غص الجامع بجميع أهل المصر، فإنه لو تزلزل بالخطيب منبره، وتنقل من مكانه، أو صعد إليه من قتله، فخرج الناس من الجامع، وأخبر واحد منهم وقال: جرى على الخطيب كذا (ص ١٩٩) وكذا، ولم يسمع ذلك إلا منه، فإن هذا الخبر يقطع على كذبه، للعلم الضروري بأن مثل هذا لا يتفق لسائر من بالجامع على أن لا يذكره واحد منهم، إذا لم يكن سبب يحملهم على كتمانه، وهذا معلوم بالعادة أن تطابقهم على السكوت عن الحديث بمثل هذا، والإخبار به لمن لقوه خارجا من الجامع ممن لا علم عنده من جملة الناس، فإن هذا ممتنع في العادة كما يمتنع اتفاقهم على خبر كاذب على حسب ما قدمناه وبسطناه، والعادة إليها التحاكم في هذا، وكل عاقل [يدرك] أنها كما أطردت بامتناع اجتماعهم على خبر كاذب، فكذلك يمتنع اجتماعهم على السكوت عن ذكر هذا الخبر الصادق، وهذا لا إشكال فيه، وإنما أوردناه لمسائل صورت عليه كالقادحة فيه.
ونحن نقدم لك قبل ذكرها جوابا عامًا لجميعها، فلتعلم أن العلوم الضرورية لا يصح أن تفسد، ويحاج على بطلانها، لأن الحجج والنظر فروع مستندة للعلوم الضرورية، فإذا بطلت الأصول بطلت الفرع التي بنيت عليها، فلهذا لم يسمع من أحد الحجة بفرع على إبطال أصل، لكونه معترفا ببطلان حجته ببطلان أصلها.
فإذا تقرر هذا فكل مسألة ألقيت عليك فلا تلتفت إليها وامتنع من تصورها، فإذا لم تجد بدا من تسليم تصورها، فاعلم أنها لم تتصور على حسب ما اعتقد المعترض بها، ولكن قارنتها أمور أخرجتها عن هذه العادة التي قررناها، ويكفيك أن تجيب بالإحالة على أمور مجهولة، وتعتمد في ذلك على ما تقرر من العلوم الضرورية، وإن شئت تعرضت لتفصيل هذه الأمور، فمن ذلك قول بعض المعترضين على النقل لحجة النبي صلى الله عليه وسلم هل كانت قرآنا أو