ومن ذلك أيضا سؤال ثاني وهو الاختلاف في الإقامة للصلاة، هل يوردها المؤذن مثنى مثنى، أو فرادى؟ فيقول المعترض: قول ينادي به على المنابر، ويكون خمس مرات في ليل ونهار، كيف يصح الاختلاف في نقل ما كان بلال يفعل فيه بحضرة النبي عليه السلام وأصحابه؟ وهذا السؤال من أصعب ما يوردونه في هذا الباب، وقد أهم القاضي أمره حتى نحا فيه إلى أن بلالا كان يفعل هذا وهذا، يثني تارة ويفرد أخرى، فالنقل عنه لم يقع فيه كذب، ولا مخالفة للعادة، فأداه اعتراض هؤلاء إلى القطع بأنه كان يفعل ذلك.
واعترض هذا أبو المعالي بأنه يجب أن يتواتر اختلاف فعله ويشتهر، حتى لا يختلف النقلة عنه في أنه كان يفعل هذا وهذا، والنقل لم يرد كذلك. والمعتمد عند أبي المعالي في الجواب أن هذا يمكن أن يكون نقل نقلا واحدا متفقا متواترا، ولكن اندرس نقله بعد تطاول زمان وحدوث فتن وحروب، وحدوث تواتر وأيمة، كل إنسان يقيم الجماعة ما يتعلق بها على رأيه ومذهبه، وهذا من الأمور المتعلقة بالأمراء والسلاطين، فمن حينئذ حدث الخلاف، واندرس التواتر عند وجود سبب دعا إلى اندراسه.
والأخبار التي تتعلق بهذا الأصل الذي قدمناه منها ما يصح اندراسه إذا ذهبت الدواعي الداعية لنقله واشتهاره، وما دامت الدواعي باقية، فالأمر باق على ما هو عليه من وجوب اشتهاره، ما دام السبب الداعي إلى اشتهاره باقيا، ولهذا اشتهرت معالم الدين في النقل أولا، وتمادى اشتهاردها إلى الآن، لحاجة أهل كل عصر إلى تلقي ذلك ممن قبلهم كتلقيهم أفعال الصلوات، وتعيين شهر رمضان من بين شهور السنة، إل غير ذلك من أمثاله، ولو صح أن تذهب الأسباب الداعية للنقل لاندرس النقل، كما كان ذلك في سير رسل تقدموا.
هذا أيضا مع كون الأفضل من إفراد وتثنية في الإقامة لا يهم مثل الفروض المؤكدة، كيف وكثير من العلماء على أن الإقامة للصلاة ليست بفرض، ولو تكرها المصلي أصلا في نفسه لصحت صلاته.
وهذه الطريقة أيضا تسلك إن اعترض في الإقامة بما بين الشافعي ومالك في المشهور عنه من اختلاف في قوله: قد قامت الصلاة، هل تقال مرتين كما ذهب إليه الشافعي، وروي عن مالك ذلك أيضا رواية شاذة، إو إنما يقال مرة واحدة، كما ذهب إليه مالك في مذهبه المشهور عنه، فإن الطريق في الجواب طريقة واحدة، ولا سيما وهذه نقطة واحدة، وأمرها أقرب إلى الخفاء من خفاء ما وقع في سائر ألفاظ الإقامة. وفي صحيح البخاري وغيره