للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"أنه عليه السلام أمر بلالا أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة، إلا الإقامة"، وقد تكلمنا على هذا في تواليفنا في الفقهيات، شرح التلقين وغيره.

ومن ذلك قولهم: وقع اختلاف النقلة في نكاحه عليه السلام ميمونة، هل نكحها وهو محرم أم حلال؟ وهذا ليس باعتراض يلتفت إليه، ولا يلحق بهذه الاعتراضات المتقدمة، لأنه لا يخفى على عاقل أن نكاحه ميمونة يصح أن يقع منه بحضرة اثنين أو ثلاثة لا أكثر، وكيف يدعى أن هذا مما يجب أن يشتهر.

هذا، وقد اعتذر بعض الفقهاء عن اختلاف النقلة فيه بأن من روى أنه كان محرما، فمعناه حال بالحرم، لا أنه عاقد بحج أو عمرة، حرصا من هذا المتأول على تطابق الروايتين، حتى يكون من روى أنه كان حلالا، لا يخالفه من روى أنه كان حراما. ولا يختلف أهل اللغة في أنه يقال لمن كان بالحرم: محرم، كما يقال للحاج أو المعتمر: محرم. وهذا يتأوله من يقول من المعسن المحرم لا يصح نكاحه حتى لا يكون عليه في رواية من روى أنه كان محرما بحجة.

وهكذا اعتراض من اعترض بخلاف ابن مسعود في المعوذتين، فإنهما مما يجب اشتهار نقلهما اشتهارا لا يندرس ولا يختلف فيه، كما جرت الحال في غيرهما من سور القرآن. فإنان نقول له: الأمر كما قلت في وجوب اشتهارهما، وهكذا جرى الأمر أنهما مشتهرتان، وإنما خالف ابن مسعود في إثباتهما في المصحف بالكتبة، لا في كونهما قرآنا، وقد بسط القاضي ابن الطيب الكلام على خلافه هذا في كتابه المترجم بالانتصا لنقل القرآن.

وأنت إذا تقرر لديك هذا الأصل الذي قدمناه، علمت منه بطلان نقل اليهود عن موسى (ص ٢٠١) أن شريعته مؤبدة، لأنهم في عصر النبي عليه السلام لم يوردوا عليه هذا ويحاجوه به، ويقولن: أنت أمرتنا بطاعة من أمرنا بعصيانك، ومثل هذا لو حاجوه به وخصموه وأسكتوه عنهم، لوجب اشتهار نقله، طردا للاصل الذي قدمناه، فإذا لم يشتهر فإنه لم يقل، وإذا لم يقل فإنه باطل. فاقتضى هذا أن القول إنما ادعي بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكرنا لهذا، وذكرنا أيضا ادعاء الإمامية النص على علي رضي الله عنه، لأنه قد جرى في سقيفة بني ساعدة يوم اجتمع الصحابة، للنظر فيمن يولونه ما قد اشتهر ونقل فيه ما جرى من بيعتهم لأبي بكر رضي الله عنه، وما جرى من علي رضي الله عنه وغيره. ولو كان عندهم نص على عليّّ ما تطابقوا على مخالفته ومعصية الله سبحانه فيه ورسوله فيه، ولا صح أيضا تطابقهم على

<<  <   >  >>