للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما من حكينا عنه أن خبر الواحد يثمر العلم الظاهر دون الباطن، فإن هؤلاء الظاهر عندهم (ص ٢٠٤) أنهم يشيرون إلى أنه يثمر الظن، وإنما عبروا عن ذلك بهذه العبارة إشعارا بقوة الظن وتأكده، ومزاحمته للعلم.

وأما القطع على صحة مغيبة فبعيد عن التحصيل، وقد يتعلق هؤلاء بقوله تعالى: (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار)، والإيمان على الحقيقة هو اعتقاد في القلب، وما في سبحانه ثمرة الظن علما لنا بأنهن مؤمنات، فقال عز من قائل: (فإن علمتموهن مؤمنات)، ولولا أن خبر المرأة عن نفسها بأنها مؤمنة بقتضي أن يعلم السامع لهذا الخبر إيمانها، لم يقل سبحانه: (فإن علمتوهن مؤمنات)، بل يقول: فإن ظننتموهن مؤمنات.

والتعلق بمثل هذا في مثل هذه الحقائق الجلية بعد عن التحقيق، والحقائق القطعية الجلية لا يعول فيها على إشارات تلوح من ظواهر خفية، ونحن نعلم قطعا أنا إذا فاجأتنا امرأة لم نرها قط، ولا نعرف قومهاه بإيمان ولا كفر، فقالت: إني مؤمنة، فإنا نجوز أن تكون كذبت وقالت ذلك لغرض لها، وإنكار تجويز هذا وكونه محسوسا في قلوب العقلاء مراغمة للحقائق. فإن اقترن بقولها قرائن، وطالت المصاحبة والانبساط والمكاشفة والبروح بما ترى الضمائر، فهاهنا يصح أن يذهب ذاهب إلى أنه يعلم إيمانها ضرورة من قرائن أحوال أخبرت عن إيمانها أو لم تخبر، ولاحظ في خبرها حينئذ للعلم، بل إنما الحظ كله للقرائن المصاحبة كصلواتها وصومها، وما يبدو من خوفها من الله سبحانه على وجه يعلم أنه غير مستعمل، بل راسخ في ضميرها، وغير بعيد تسمية النطق بالشهادتين إيمانا لما كانت علما على الإيمان، كيف وقد ذهب جماعة من حملة الشرع إلى عدها من جملة الإيمان وإذا صح بطلان هذه المذاهب صح ما ذهب إليه الجماهير من العلماء من كون خبر الواحد إنما يثمر الظن لا العلم.

وأما الوجه الثالث وهو نقل المذاهب في العمل بخبر الواحد، فقال: اختلف الناس في ذلك:

فقال بعضهم: لا يعمل به، ولا يجوز في العقل أن يتعبدنا الله سحبانه بالعمل به.

وقال آخرون وهم الجماهير من علماء الأمة: بل يجوز من جهة العقول أن يتعبدنا الله سبحانه بالعمل به، واختلف هؤلاء؛ هل تعبدنا بذلك أم لا؟

فقال الشذوذ: منهم لم يتعبدنا الله به، واختلف هؤلاء الشذوذ أيضا، فمنهم من نفى

<<  <   >  >>