للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك لعدم وجود دليل شرعي على العمل، ومنهم من نفى ذلك لأنه اعتقد ورود الدليل السمعي بمنع العمل به.

وقال الدهماء من العلماء: بل تعبدنا الله سبحانه بالعمل به، واختلف هؤلاء أيضا في طريقة العلم بالتعبد به، فقال من شذ منهم: إن العقول دلت على وجوب التعبد به، وقال الجمهور: لا مدخل للعقول في هذا، وإنما علمنا بوجوب التعبد به بالدلالة السمعية، وشذ بعض هؤلاء أيضا فرأى أن الدلالة السمعية إنما وردت بالتعبد به على أحكام ما وردت به في الشهادة، فلا يقبل عنده خبر واحد عن النبي عليه السلام، وإنما يقبل خبر اثنين عدلين، أو رجل واشترط في النقل تضاعف العدد، فلا يقبل من التابعين إلا أربعة عن اثنين من الصحابة، ومن تابعي التابعين إلا ثمانية ليكونوا قد نقل اثنان عن كل واحد من الأربعة، والأربعة عن كل واحد من الصحابة رضوان الله عليهم، وهكذا التضعيف حتى يبلغ الأمر إلى عصرنا، وبذلك يخاطب من بعدنا من العصور، وهذا المذهب يضاف إلى الجبائي.

وسائر من أثبت العمل بخبر الواحد يخالفه، ولا يشترط عددا في النقل في العصر الأول، ولا فيما بعده من الأعصار، وعلى هذا الأئمة من فقهاء الأمصار، فهذه جملة المذاهب المذكورة في هذا الباب.

وأما الوجه الرابع وهو سبب اختلاف هذه المذاهب فلنبدأ بمذاهب المختلفين في جواز التعبد به عقلا، فنقول: ورود التعبد عند حصول ظن يظنه الإنسان لا إحالة فيه، وذلك أن الله سبحانه إذا قال: [إذا] رأيتم الشمس فصلوا، فلا امتراء في صحة التعبد بهذا، وهكذا إذا قال: إذا ظننتم أنا لشمس قد زالت فصلوا، ولا فرق بين أن يعلق وجوب الصلاة علينا على إحساسنا على خلقه في قلوبنا أو ظننا خلقه في قلوبنا أيضا، كيف وقد تعبدنا بذلك فقال (ص ٢٠٥) فقيه مجتهد عدل وقد استفتيته: هذا عليك حرام، وأنت لا تجد من تقلد سواه، فإن التحريم لازم، هذا والقاضي يجوز على الفقيه أن يكون غلط أو تعمد التحريف عن الحق، وهكذا يسمع الحاكم شهادة عدلين بأن هذا قتل هذا، فيأمر بإراقة دمه، فيبيح الدم ويريقه، ولم يحصل له إلا خبر شاهدين قد يكونان في الباطن فاسقين أو يكونان عدلين في الباطن، ولكنهما كذبا غلطا وسهوا. وهكذا الفقيه المجتهد يفتي في مسألة بتحريم أو تحليل لأجل قياس أو اجتهاد، ولا يحصل له منه إلا الظن.

فمن ألفى الشرائع واردة بهذه الأنواع، وسلم أن العقول لم تمنع منها ولا أحالتها،

<<  <   >  >>