للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل القاطع، وهو الإجماع على وجوب العمل بخبر الواحد عل ما ستقف عليه إن شاء الله عز وجل. فمتعلق الظن غير متعلق [العلم]، فالمظنون صدق الخبر، والمعلوم المقطوع به وجوب العمل عند سماعه، فلم يعمل إلا بدليل قطعي أيضا.

وهكذا إن قالوا: يجوز إثبات القرآن، وإثبات أصول الديانات، ونسخ القرآن بأخبار الآحاد، وجوزوا أيضا العمل بخبر الفاسق. قلنا: أما العقول فتجوز ذلك فيها عندنا، ولو تعبدنا الله سبحانه بأن نعمل بمضمون آية رواها واحد، دون أن نقطع بصدقه لم يكن هذا محالا عندنا، كيف وقد صار إليه قوم من الأئمة، وإلى أن ذلك يعمل به كما سنحكيه في موضعه إن شاء الله، وهكذا العمل بخبر الفاسق، وبخبر العدل في أصول الديانات، فإنه لم يمنع عندنا عقلا، وإنما منع سمعا، هذا سبب الاختلاف في الإحالة والجواز.

وأما سبب الخلاف؛ هل ورد التعبد به أم لا؟ فإنا كنا ذكرنا عن القوم الذين نفوا ورود التعبد به، أن منهم من نفاه لأنه لم يعلم دليلا سمعيا ورد به، ومنهم من نفاه لأنه علم ورود الدليل السمعي بالمنع منه، فأما من نفى ذلك وزعم أنه لم يعلم فنحن سنريه كيف ورد السمع به، حتى نزيل عنه ما شكاه من عدم العلم. وأما الآخرون الذي صمموا على نفي العمل، وزعموا أن السمع ورد بالمنع منه، فإن متعلقهم في ذلك كتاب وسنة واستقراء من (ص ٢٠٦) آثار الصحابة، على حسب ما سنسلكه نحن في نصرة مذهبنا، كما ستراه إن شاء الله.

فأما متعلقهم من الكتاب فقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم)، وقوله: (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا)، وقوله تعالى: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين* إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)، واستدل القاساني بقوله تعالى: (ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم)، وخبر الواحد لم يحكمه الله تعالى كما أحكم آياته، وعضد استدلاله في منع التعبد به أيضا بأن القياس والاجتهاد في فروع الدين واجب، فيجب أن تكون الأصول المقيس عليها محصورة حتى يصح القياس في المنتشر على المنحصر، وإذا كانت الأصول غير محصورة لم يصح القياس، وأخبار الآحاد لا تنحصر.

وهذا الذي تعلقوا به لا يخفى ضعفه على محصل، أما قوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم)، فإن سياق الآية يدل على أن القصد بهذا القول النهي عن المجازفة والهجوم

<<  <   >  >>