للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على حقائق الديانات والعلوم بغير علم ولا نظر يؤدي إلى العلم، ونحن لا نثبت خبر الواحد مجازفة ورجما بالظنون واتباعا لما يخطر بالبال من وسواس النفس، بل إنما أثبتناه بالدليل القاطع الذي أدانا إلى العلم اليقين، فما اقتفينا إلا ما لنا به علم، ولا اتبعنا إلا أمرا تيقنا صحته. ويقال لهم: لم كانت هذه الآية دليلا علينا، دون أن تكون دليلا عليكم، بأن نقول لكم: أنتم في نفيكم العمل بخبر الواحد، ومصيركم إلى أنه لا يحل أن يعمل به في الدين قد افتفيتم ما ليس لكم به علم. فإن قالوا: بل اقتفينا ما لنا به علم. قيل لهم: فأوردوه من غير هذا الآية، واتركوها لا دليل فيها لنا ولا لكم على ما نحن فيه.

وكذلك يجري في الجواب عن قوله تعالى: (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)، لأنه ذكر فيما قبل النهي عن اتباع خطوات الشيطان، وأشار إلى علة النهي، بأنه يدعونا إلى السوء والفحشاء، وأن نتقول على الله سبحانه الكذب وما لا نعلمه، ونحن قد علمنا أن الله سحبانه أمر بالعمل بخبر الواحد، فلم نقل على الله سبحانه إلا ما نعلم.

وهكذا قوله: (إن تتبعون إلا الظن)، لأن الله سبحانه إنما ذكر هذا بعد أن ذكر عن الكفرة أنهم يسمون الملائكة تسمية الأنثى رجما بالظنون، وخيالات فاسدة لا أصل لها، ونحن إنما أثبتنا خبر الواحد بدليل أدانا إلى العمل اليقين، والظن ليس في وجوب العمل، وإنما الخبر نفسه هو المظنون صدقه، وكلامنا على العمل به، لا على حقيقة الصدق والكذب.

وأما ما استدل به القاساني فلا مدخل له في هذه الآية، ورد في سياق الآية ما نعلم منه، أن ما نحن فيه ليس منها في ورد ولا صدر، وقد قال تعالى: (وما أرسلنا من قلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته)، والمراد إحكام آيات القرآن، وما نحن فيه خارج عن هذا. ولنا أن نقول له: سنتلو عليك من القرآن آيات محكمات تدل على وجوب العمل بخبر الواحد حتى يصير العمل به من جملة الآيات التي أحكمها الله سبحانه.

وأما تعويله على كون الأصول يجب أن تكون محصورة، وخبر الواحد لا انحصار فيه، فهذا وإن كان خارجا عن التعلق بالقرآن، فإنما ذكرناه لكونه من كلام الرجل الذي نحن في مخاطبته. والجواب عنه أن خبر الآحاد محصورة، لأنا لا نقبل الخبر من كل من جاء به، حتى يشترط فيه صفات سنذكرها فيما بعد، وهؤلاء الرواة الموصوفون بهذه الصفات قد دون ما رووه ونقل عنهم، فالفقيه إذا حاول الاجتهاد في مسألة بحث عن جملة السنن والأخبار الواردة فيها، فإذا انضبطت له، نظر في أسانيدها ومتونها بحسب ما يعرفه النظار،

<<  <   >  >>