للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومر على طرق النظر حتى يكملها، وإن جوز من ناحية العقول أن يكون من ذكر خبرا لم ينتبه إليه، فذلك ساقط عنه وهو غير متعبد بما لا يعلم، إذا أنهى الاجتهاد نهايته فما نظر إلا في أمور محصورة عنده.

وأما تعلق هؤلاء بالسنن فإنهم يقولون قصة ذي اليدين مشهورة عند الفقهاء والمحدثين، وقد أخبر النبي عليه السلام بأنه نقص من الصلاة فلم يرجع النبي عليه السلام إلى خبره حتى استطيع أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما صدقاه رجع إلى إكمال الصلاة، فلو كان خبر الواحد مقبولا لرجع النبي عليه السلام إلى خبر ذي اليدين.

وهذا استدلال ضعيف، لأن أحكام (ص ٢٠٧) الصلاة قد تقتضي ما فعل، وللفقهاء كلام طويل في وجوب رجوع الإمام إلى من خلفه إذا أخبره بأنه لم يكمل الصلاة؛ هل يراعي في ذلك خبر رجلين أو يراعي في ذلك خير جماعة كثير، وهل يرجع إلى بقيتهم وإلى ما أخبروه مع التصميم على غلطتهم في خبرهم، أو إنما يرجع إليهم إذا خامره [شك]، وهل يوجب عليه مخامرة الشك بعد سلامه دون جبران، فرجع إلى الباء على يقين، كما يفعل ذلك إذا شك قبل السلام أم لا؟ ومن عرف طرق الفقهاء في هذا علم تطرق الاحتمالات إلى هذا الاستدلال، إذا عرض الخبر الوارد على هذه الوجوه، فمن الممكن أن يكون النبي عليه السلام بقي على تصميمه، وأنه أكمل الصلاة، فلما أخبره أبو بكر وعمر بخلاف ما عنده، خامره الشك فقام وأكمل.

وقد مر ابن خويز منداد في الجواب عن هذا على ما قدمناه من أصله أن خبر الواحد يثمر العلم الضروري، وليس كل خبر يثمره، وإنما يثمره من الأخبار ما اقترنت به قرائن، ويرى التجرد من طرق الاسترابة قرينة، ولم يتجرد للنبي عليه السلام عند خبر ذي اليدين بل استراب خبره، وأمكن عنده غلطه، حتى أخبره أبو بكر رضي الله عنهما فتجرد الخبر من الريبة، فوقع له العلم.

ويقال لهم: أيضا لو كان خبر الواحد غير مقبول لم يرجع إلى الإكمال بخبر أبي بكر وعمر، لأن المخبرين ثلاثة، وقد قدمنا أنا إذا قلنا: خبر الواحد، فإنا نشير إلى الواحد، والاثنين، والثلاثة، والأربع، وإلى كل ما لا يقع العلم بخبره. وإنما قد يحسن أن يتعلق بهذا من قال: يقبل خبر الاثنين ولا يقبل خبر الواحد.

وقد يتعلق هؤلاء بالحديث الوارد فيه عن النبي عليه السلام أن ما جاء من الحديث عنه يقبل، إذا كان موافقا لكتاب الله، ويرد إذا لم يوافق، الحديث، ما ذكروه، وقد قيل: إنه

<<  <   >  >>