للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خبر غير صحيح، وبالجملة فلم يخرجه من المحدثين من اشترط واشتهر كتابه بها. هذا ولو صححناه فهم يردون خبر الواحد فكيف يطمعون أن يقبل منهم على أصلهم رد خبر واحد، ثم تقابل هذا بما روي أنه عليه السلام قال: "لا أرى أحدا منكم يكذبني بعد موتي. فقيل له: كيف يكذبك بعد موتك يا رسول الله؟ قال يتكئ على أريكته، فإذا حدث عني قال: لا أجد هذا في كتاب الله" الحديث كما وقع، وهذا ظاهره مخالف لما ذكروه.

وأما استقراؤهم من الصحابة رضي الله عنهم فإنهم يقولون قد رد الصديق خبر المغيرة، وعمر خبر أبي موسى، وعلي خبر أبي سنان، وعائشة خبر ابن عمر، إلى غير ذلك مما يذكرونه. ونحن نبطل هذا عليهم بأن نريهم أضعاف ما ذكروه من الأحاديث ممن قبلته الصحابة حتى تعارض ما أوردناه [مع] ما ذكروه، ونبين وجه المعاذير في رد ما ردوه، إذا انتهى إليه الكلام في كتابنا هذا.

وأما القائلون بوجوب العمل به فسبب اختلافهم في طريقة الوجوب أن من صار منهم إلى أن مدرك الوجوب العقل، وهم شذوذ فإن هؤلاء يبنون مذهبم على القول بالمصالح في التكاليف، وإثبات التحسين والتقبيح العقلي، ونحن قد تكرر منا ذكر مخالفتهم في هذا الأصل، وأوضحنا بطلانه، على أنهم يتنازعون في تصور المصلحة فيه، فإن قالوا: التواتر يعز وجوده، فالحكمة تدعو إلى العمل بخبر واحد. قيل لهم: ولم عز وجوده؟ وفي مقدور الله سبحانه أن يجعل كل خبر متواترا، وأن يكلف نبيه صلى الله عليه وسلم إلقاء كل حكم لجماعة من أصحابه، ويأمرهم بنقل ذلك عنه، ويأمر من بعدهم بذلك.

وأما الصائرون إلى أن مدرك ذلك السمع دون العقل، فإنهم يتعلقون بالكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم.

فأما الكتاب فتعلقوا منه بقوله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، وقد كثر من المخالفين لنا المدافعة عن التعلق بهذه الآية، وأمثل ما دافعوا به عنها، أن هذا تمسك بدليل الخطابب، ودليل الخطاب مختلف فيه بين الأصوليين، لا سيما وقد ذكر سبب نزول الآية، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ولي رجلا عاملا على الصدقات، فعاد إليه فذكر له عن قوم أنهم منعوا الصدقة، وأرادوا قتله، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم الجيش، أنزل الله تعالى هذه الأية، آمرا فيها بالتثبت فيما نقله هذا. والقصد منها التنبيه على فسقه في الباطن، وأنه بخلاف ما ظن عليه السلام به، من أنه عدل في الظاهر.

وجوابنا عن هذا أن نقول: قد علم أن كثيرا من العلماء صائرون إلى القول بدليل

<<  <   >  >>