للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وقع في الحديث المشهور في موطأ الإمام رضي الله عنه وفي غيره من الدواوين الصحاح، قوله عليه السلام لأم سلمة: "ألا أخبرتيه أني اقبل وأنا صائم"، وكان الرجل بعث زوجته إلى أم سلمة لتسألها، فلولا أن قبوله خبر زوجته وتعويله على خبر الواحد كان مشهورا عندهم لما بعث زوجته، إذ لا فائدة له في بعثها إن لم يعمل بخبرها، وكذلك قوله عليه السلام لأم سلمة: "الا أخبرتيها أني أقبل وأنا صائم"، فلو كان لا يلزم الرجوع إلى إخبار أم سلمة عن النبي عليه السلام، لم يكن لأمره صلى الله عليه وسلم لها بأن تخبر الرجل بحكم القبلة في الصوم فائدة ولا معنى. وفيه أيضا أن يؤمر بها من سواه لأنه إنما أحاله على فعله.

فأنت إذا التقطت أمثال هذا من غضون الأحاديث قد تجد في خلال ذلك ما يكثر حتى يصير كالمتواتر.

وأما الاستدلال بالإجماع فاعلم أن ثبوت ذلك تواترا يكون تارة على الجملة، وتارة على التفصيل، فالذي ينقل تواترا على التفصيل يكثر تعداده، كنقل خلائق من الناس قتل رجل بعينه، أو لعطية أعطاها رجل لرجل، والذي نقل على الجملة يكثر تعداده أيضا كعلمنا بكرم حاتم، وحلم الأحنف، وفصاحة قس، وليس في الدنيا كلام متواتر يحفظ بعينه عن قس، ولا عطية معينة عن حاتم، وإنما حصل ذلك على آحادية كثيرة وقعت (ص ٢١٠) من حاتم دلت على كرمه، وهذا ما نحن فيه، لأنا نورد عليك أخبارا كثيرة أفرادها نقلت آحادا، ومجموعها صار متواترا، ومحصول مجموعها عمل الصحابة رضوان الله عليهم بخبر الواحد.

- فمن ذلك رجوع الصحابة رضي الله عنهم في أن النبي عليه السلام لا يورث إلى خبر الصديق رضي الله عنه بذلك.

- ورجوعهم لما اختلفوا في الغسل من التقاء الختانين إلى أزواج النبي عليه السلام.

ورجوع الصديق رضي الله عنه في فسخ قضية أخبر بها إلى خبر بلال.

- ورجوعه في توريث الجدة إلى خبر المغيرة ومحمد بن مسلمة.

- ورجوعه في توريث المرأة من دية زوجها إلى الخبر الذي روي له في ذلك.

- ورجوعه أيام الطاعون إلى خبر عبد الرحمن بن عوف، بعد أن استشار الصحابة واختلفوا عليه، وكان عبد الرحمن غائبا في بعض حاجاته، فلما أتى فقص اختلاف الصحابة

<<  <   >  >>