استقرأ منه هذا ما استقرأه في الرواية، ويرى هؤلاء أن القصد بحضور شاهدين القضاء عند التجاحد، فإن كان لا يقضي بشهادة المستورين فلا ينعقد بحضورهما.
وبعض أصحاب الشافعي يرى أنه ينعقد بشهادة المستورين، وهو ظاهر مذهبهم، ويرى هذا أن من اقتصر على حضور فاسقين فقد أخل بالحزم، وترك الاحتياط لما يتوقع من جحود، والمستوران قد يعدلهما إذا احتاج (ص ٢١٥) إليهما، فما أضاع من اقتصر عليهما الحزم، كما أضاعه من اقتصر على فاسقين.
وقد احتج من قبل رواية المستور بأن النبي عليه السلام "قبل شهادة الأعرابي في الهلال". وأجيب عن هذا ثلاثة أجوبة:
- أحدها: أنه أخبر واحد فلا مدخل له في المسألة أصلا.
- والثاني: أن النبي عليه السلام علم عدالته، ولم يذكرها الراوي، كما علم إسلامه ولم يذكره الراوي.
- والثالث: أنه يمكن أن يكون أدى الشهادة حين اسلم، ولم يقترف بعد إسلامه ذنبا.
واحتج أصحاب هذا المذهب أيضا باستصحاب الحال، وأن الإنسان عند بلوغه لا ذنب له، فيجب أن يبقى على هذا الحكم، وهذا ضعيف لأن استصحاب الحال لا مدخل له في هذه المسألة، كيف وقد كنا على يقين أنه لم يذنب، ونحن الآن شاكون فيه؛ هل أذنب أم لا؟ فقد حُرِمنا ما كنا عليه من يقين، فلا معنى لاستصحاب مثل هذا.
واتحجوا أيضا بأنا مأمورون بتحسين الظن بالمسلمين، والوقف عن خبر المستور إساءة ظن بهم. وأجيب عن هذا بأن المراد بهذا الأمر ألا تطلق الألسنة فيهم بقبيح، ولا نضيف إليهم معصية، ولا نغتابهم.
وأما خبر من يجهل حاله فإنا لم نؤمر به، واحتج من لم يقبل رواية المستور بأن الصحابة صلى الله عليهم كانوا لا يقبلون إلا خبر من علموا عدالته، ومعلوم من حالهم أنهم كانوا لا يبادرون إلى العمل بخبر كل من جاءهم ممن لا يعرفونه، ولا رأوه قبل خبره.
وقد اعتمد أبو المعالي على هذا، وقد لا يسلم له هذا الإجماع.
وقد رأيت الشيخ أبا بكر بن فورك في كتابه الذي ألفه في أصول الفقه اختار قبول خبر المستور، وأشار إلى أنه مذهب الصحابة. قال: وكانوا يقبلون خبر الأعرابي، وقبل