الخبر، وأشار أبو المعالي إلى أن هذا المذهب أوقع في مأخذ الأصول، لما قلناه من كون التجريح على الجملة يخرم الثقة، بخلاف الإخبار عن الثقة فإنه لا تحصل الثقة بخبر المخبر إلى عن مباحثته عن الأسباب التي علم منها ثقة المعدل، واطلع منها على دينه، وحسن حاله.
وأما ما اعتمد عليه أبو المعالي، وذكرنا أن القاضي أشار إليه فإنه قال: العالم بوجوه التعديل والتجريح، الظاهر منه أنه لا يطلقها إلا بعد تحصيل اسبابها كيف يجب، بخلاف الجاهل فإنه لا يوثق بما يقول لجهله بأسباب التعديل والتجريح.
وقد قيل: إن الشافعي إنما دعاه إلى المكاشفة عن التجريح خاصة، أنه علم بإنسان جرح إنسانا، فلما سئل عن طريق علمه بتجريحه، قال: رأيته يبول قائما. فقيل له: وإذا بال قائما ماذ عليه؟ فقال: قد يتطاير عليه البول. فقيل له: فهل رأيته صلى بعد هذا؟ فقال: لا. فدعا الشافعي إلى اشتراط المباحثة عن أسباب التجريح.
وظاهر هذه الحكاية يقتضي أنه يوجب مباحثة من لا يوثق بعلمه بالتجريح.
وما يتعلق بأحكام المباحثة أن التجرح [هل] نقل من المجرح سرا أو علانية؟. لأنه إذا قال: رأيته سرق أو شرب الخمر، فإن ذلك يخرم الثقة بقول السارق والشارب، سواء أسر المعدل هذا التجريح لمن أخبره به أو أعلنه.
وأما التعديل فقد اختلف أصحاب الشافعي فيه على قولين: هل يقتصر فيه على تعديل (ص ٢٢٢) العلانية للمخبر، أو لابد من المباحة عن التعديل في السر؟ وقد اختلف المذهب عندنا على قولين في جواز الاقتصار في تعديل الشاهد على العلانية دون تعديل السر، واختار بعض أشياخي ألا يقبل ذلك إلا بعد المباحثة في السر، لأن الإنسان لا يمكن غالبا أن يذكر في العلانية قبائح الإنسان المستورة، وإذا سئل في السر ذكرها.
وقد يجري اختلاف أصحابنا هذا في تعديل المخبر عن النبي عليه السلام، لا سيما وقد قال كثير من الناس: إن المبالغة في البحث عن عدالة الراوي يجب أن تكون أشد من المباحثة عن تعديل الشاهد، لكون الراوي يعم خبره سائر المسلمين، بخلاف شاهد يختص ضرر شهادته بزيد أو عمرو، فعلى هذا قد يجري الخلاف في المخبر ما حكيناه عن أصحابنا في الشاهد، وإن كان قد رأيت بعض المصنفين قد يشير إشارات خفية إلى أن المخبر هاهنا أخفض مرتبة، لأن الخبر مبني على حسن الظن، ألا تراه يقبل من العبد والمرأة بخلاف الشهادة. وبالجملة فلا أعرف في الخبر نص خلاف بين أصحابنا، فإن لم يتخرج الخلاف فيه من الشهادة فقد ذكرنا الخلاف فيه بين أصحاب الشافعي.